عرض مشاركة واحدة
  #65  
قديم 09-26-2018, 03:57 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
Haedphone

المتن

*المثال الثاني عشر
قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال: "من تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا تقربت من باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هَرْوَلَة".
الشرح
ماذا يقولُ أهلُ التعطيلِ؟ يقولُ أهلُ التعطيل إنكم أخرجتم هذا الحديث عن ظاهره ؛لأنَّ ظاهِرَ الحديثِ أنَّ اللهَ تعالى يتقربُ بنفسهِ ذِرَاعًا وباعًا وأنهُ يمشي مشيًا ويُهرولُ هرولة ً..يقولون:هذا ظاهرُ الحديثِ فهل تقولونَ بهذا الظاهِرِ؟ ننظر الآن في شرح هذا المِثال.
المتن
وهذا الحديث صحيح رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وروى نحوه من حديث أبي هريرة أيضًا، وكذلك روى البخاري نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب التوحيد الباب الخامس عشر.
وهذا الحديث كغيره من النصوص الدالة على قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى، وأنه - سبحانه - فعَّالٌ لما يريد كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة مثل قوله تعالى:"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"البقرة 186.وقوله:"وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا" الفجر 22.وقوله:"هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ"الأنعام 158. وقوله"الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" طه 5. وقولِه صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر"متفق عليه. وقولِه صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمن بيمينه"البخاري.إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على قيام الأفعال الاختيارية به تعالى.
الشرح
يعني هل اللهُ-عز وجل-يفعلُ فعلاً حقيقيًا ؟ الجواب:نعم يفعل والأدلة ُكثيرة منها ما سُقناهُ من القرآن والسُنةِ:أنَّ اللهَ يفعلُ مايشاءُ فيجِئُ ويستوي وينزلُ ويفرحُ ويضحكُ إلى غيرِ ذلكَ من أفعاله- سبحانه وتعالى-القائمةِ به.
المتن
فقوله في هذا الحديث: تقربت منه وأتيته هرولة من هذا الباب.
الشرح
وإيش المُرادُ بهذا الباب؟الأفعالُ الاختيارية ُ؛فهي من الأفعالِ الاختياريةِ" تقربتُ وأتيتُهُ هَرْوَلَة ً"هذا فعلٌ من الأفعال؛ فقاعدة السلف أن نثبت هذا الفعل على حقيقتِهِ ونقولُ إنَّ اللهَ يتقربُ من الإنسانِ قدرَ ذراعٍ وقدرَ باعٍ ويأتي هَرْوَلَة ً؛كما نقولُ في قوله تعالى"وجاءَ ربُكَ"إنه يأتي بنفسهِ للقضاءِ بين العبادِ.
المتن
والسلف "أهل السنة والجماعة" يجرون هذه النصوص على ظاهرها وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل. قال شيخ الإسلام ابن تيميه في شرح حديث النزول ص466 جـ5 من مجموع الفتاوى: "وأما دُنوه نفسه وتقربه من بعض عباده فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة ونزوله واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر". أهـ.
الشرح
المؤلف يقول:"دُنُوُه وتقرُبُهُ" وشيخُ الإسلام، إذن فجعل التقربَ من باب الأفعال ؛وقال إنَّ أهلَ الحديثِ والسلفَ وأئمة َالإسلام كلهم يُثبتونَ هذه الصفة أي الصفاتِ الفعلية َ.
المتن
فأي مانع يمنع من القول بأنه يقرب من عبده كيف يشاء مع علوه؟
وأي مانع يمنع من إتيانه كيف يشاء بدون تكييف ولا تمثيل؟
وهل هذا إلا من كماله أن يكون فعالًا لما يريد على الوجه الذي يليق به؟
الشرح
إذن على هذا التقرير نلتزمُ بأنَّ اللهَ تعالى يتقربُ من العبد قدرَ ذِراعٍ أوباعٍ أليس كذلك؟ بلى. كذلك أيضًا نُثبتُ بأنَّ اللهَ تعالى يأتي هَرولة ًلأن إتيانَهُ ثابتٌ. حتى في القرآن؛ لم يزد هذا الحديث على مافي القرآن إلا صفة الإتيان ؛وأنه يكونُ هَرولةً.فنقول:إذا أثبَتَّ أنَّ اللهَ يأتي؛ فإنَّ اللهَ يأتي على أيِّ صفةٍ كانت هَرولةً أو مشيًا أو على أيِّ صفةٍ.مادامَ أثبتَّ أصلَ المعنى وهوالإتيانُ؛ فاثبتْ وَصْفَهُ وهوالهرولة َالتي أثبتها اللهُ لنفسه ولامانع.فإذا قال قائلٌ:كيف هذه الهرولة ُ؟نقول الكيفُ غيرُ معقولٍ أي مجهولٍ والمعنى معروفٌ ؛فأثبِت المعنى وأنفي الكيفية.قال:
المتن
وذهب بعض الناس إلى أن قوله تعالى في هذا الحديث القدسي: "أتيته هرولة". يراد به سرعة قبول الله تعالى وإقبالِه على عبده المتقرب إليه المتوجه بقلبه وجوارحه، وأن مجازاة الله للعامل له أكمل من عمل العامل. وعلل ما ذهب إليه بأن الله تعالى قال في الحديث: "ومن أتاني يمشي" ومن المعلوم أن المتقرب إلى الله - عز وجل - الطالب للوصول إليه لا يتقرب ويطلب الوصول إلى الله تعالى بالمشي فقط، بل تارة يكون بالمشي كالسير إلى المساجد ومشاعر الحج والجهاد في سبيل الله ونحوها، وتارة بالركوع والسجود ونحوهما،.
الشرح
وهذا فيه مشي ولا لأ؟الركوع والسجود مافيه مشي ولو كنتَ تمشي وأنتَ تركعُ يمكن تُكثِر المشيَ فتبطُل صلاتُكَ وفي السجود أيضًا غيرِ ممكنٍ المشي لأن الإنسانَ ثابتٌ.
المتن
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، بل قد يكون التقرب إلى الله تعالى وطلب الوصول إليه والعبد مضطجع على جنبه كما قال الله تعالى"الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ"آل عمران 191. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب".البخاري
قال: فإذا كان كذلك صار المراد بالحديث بيان مجازاة الله تعالى العبد على عمله، وأن من صدق في الإقبال على ربه وإن كان بطيئًا جازاه الله تعالى بأكمل من عمله وأفضل. وصار هذا هو ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية المفهومة من سياقه.
وإذا كان هذا ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية، لم يكن تفسيره به خروجًا به عن ظاهره ولا تأويلاً كتأويل أهل التعطيل، فلا يكون حجة لهم على أهل السنة ولله الحمد.
الشرح
أفهمتم المعنى الثاني؟المعنى الثاني يقولون:إنَّ الحديثَ ليس ظاهِرُهُ أنَّ اللهَ تعالى يأتي ويقْرَبُ بدليل أن الإنسان الذي يتعبدُ إلى الله هل هو يمشي إلى الله في تعبده؟قد يكونُ وقد لايكون.قد يكونُ التعبدُ المشيَ ؛كالطوافِ والسعيِّ مثلاً ؛وقد يكونُ التعبدَ الاستقرارُ والسكونُ مثل الركوع والسجودِ ؛اركع حتى تطمئنَ راكعًا واسجُد حتى تطمَئنَ ساجِدًا.فهل نقولُ هذا الذي ركعَ أوسجَدَ أنَّهُ لم يتقربْ إلى اللهِ؟ولم يأتِ إلى الله؟ الجواب:بل تقربَ إلى اللهِ وأتى"أقربُ مايكونُ العبدُ من ربهِ وهوساجِدٌ".إذن فليس ظاهرُالحديثِ الإتيان َ الفعلي وإنما المرادُ به الإتيانُ المعنويُ وهوالإقبالُ على اللهِ- عزوجل- بالقلبِ والجوارحِ وعلى هذا فلا يكونُ فيه تأويلٌ.لايكونُ فيه التأويلَ الذي ذهبَ إليه أهلُ التعطيلِ.
المتن
وما ذهب إليه هذا القائل له حظ من النظر لكن القول الأول أظهر وأسلم وأليق بمذهب السلف.
ويجاب عما جعله قرينة من كون التقرب إلى الله تعالى وطلب الوصول إليه لا يختص بالمشي بأن الحديث خرج مخرج المثال لا الحصر فيكون المعنى: من أتاني يمشي في عبادة تفتقر إلى المشي لتوقفها عليه بكونه وسيلة لها كالمشي إلى المساجد للصلاة أو من ماهيتها كالطواف والسعي. والله تعالى أعلم.
الشرح
ولهذا قلنا: إن تفسير الحديث بهذا المعنى لايخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة ؛ ففيه قولان ؛ لكن ظاهر الحديث المشي والهرولة.
والقاعدة عند أهل السنة : أن الظاهر إذا كان غير مستحيل بالنسبة إلى الله ؛وجب حمله على الظاهر؛ وليس بمستحيل أن يمشي الله أو يأتي هَرولة.
رد مع اقتباس