عرض مشاركة واحدة
  #63  
قديم 08-05-2020, 02:27 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

6️⃣4️⃣

✍إنما هو شيء أصنعه لكم!

اجتمعتْ العربُ على المُسلمين يوم الخندق، وزاد الطين بِلةً أن بني قريظة غدروا من الداخل، وعلى خطى بني قريظة جاء عُيينة بن حصن في غطفان ليكتمل مُسلسل الغدر، وصارَ المسلمون بين فكي كماشة، عدوٌ بعيدٌ جاءَ من أرجاءِ جزيرة العرب، وعدوٌ قريبٌ أخلَّ بالعهدِ وهمَّ بالخيانة!
🌳 فأراد النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُعطيَ عُيينة بن حصن ومن معه ثلث ثمار المدينة ليرجع ومن معه من غطفان ويخذِّل الأحزاب، فأرسلَ إلى سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج ليُشاورهما بما عزم عليه، وهذا من أدبه صلَّى الله عليه وسلَّم لأن ثمار المدينة ثمارهم ولم يشأْ أن يقطعَ فيها دون إذنهما، فلما كلَّمَهُما في ذلك قالا: يا رسول الله إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً وطاعة، وإن كان شيئاً تصنعه لنا، فلا حاجة لنا فيه! لقد كنا وهؤلاء القوم على الشركِ بالله، وعِبادةِ الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا تمرة من تمرِ المدينة إلا بيعاً أو ضيافة، فحينَ أكرمَنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزَّنا بكَ تعطيهم أموالنا؟!
واللهِ لا نعطيهم إلا السَّيف!
فأثنى عليهما، وصوَّبَ رأيهما، وقال: "إنما هو شيء أصنعُه لكم، لمّا رأيتُ العربَ قد رمتكم عن قوسٍ واحدة"!

▪️الأمرُ كما ترون، مسألةٌ سياسيةٌ بحتة، وحربٌ قائمة، والجميع يبحث عن حل، ولكل فيها رأي، وقد ارتأى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلّّم أن يُفاوض غطفان ويعطيهم ثُلث ثمار المدينة ليكفوا شرهم وينسحبوا من حلف الأحزاب، وقد ارتأى السعدان ابن عبادة وابن معاذ أنَّ في هذا ذِلة، فإن كان أمرُ الله فالسمعُ والطاعة، وإن كان اجتهاداً من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حقناً للدماء، وإبقاءً على المدينةِ عن طريقِ استمالةِ العدو ببعض المال فهم لا يُوافقون، وليس للغُزاة إلا السَّيف، فنزلَ النبيُّ صلّّى الله عليه وسلَّم عند رأيِهِما!

▪️من مآسينا اليوم أن الناسَ لها آراء سياسية، هي في الحقيقةِ اجتهادات شخصية وقراءة للواقع، وتحليل المعطيات، وتقدير للمصالح والمفاسد، فيحملونك على رأيهم السياسي كأنه وحي ليس لكَ أن تخالفه مع أن صاحب الوحيِ قد رضيَ بمخالفةِ أصحابه لرأيه لأن رأيه لم يكن وحياً وإنما هو سياسة وتقدير واجتهاد!
على المقلبِ الآخر تجد من يخوِّن كل اجتهادٍ سياسيٍّ وتقديرٍ للموقف، فتجد من هو ممدد على فراشه يريدُ أن يفتي لأهلِ الثغور، أن الهدنة لا تجوز هنا، وأن الحرب لا تجوز هناك!
على الذي يتعاطى شأناً سياسياً أن يعرفَ أنه إنسان يصيبُ ويخطئ، وليس عليه حمل الناس على رأيه، وعلى الذي يُتابعُ الشأنَ العام أن يعذر المجتهد ويحسنَ الظن به إذا غلبَ عليه الخير، وأن ينصحَ بمعروفٍ يستحق أن يُسمع!

••••••••

التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 08-05-2020 الساعة 02:28 AM
رد مع اقتباس