عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 01-03-2017, 04:35 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
y

" تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ "القصص: 83.

خطبة لعمر بن عبدالعزيز رحمه الله
قال أبو الحسن: حدثنا المغيرة بن مطرف، عن شعيب بن صفوان، عن أبيه قال: خَطب عمرُ بن عبدالعزيز بخُناصرة خُطبةً لم يَخْطب بعدها حتَّى مات رحمه الله؛ حَمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أيها الناس، إنكم لم تُخْلقوا عَبَثًا، ولم تُتركوا سُدًى، وإنَّ لكم معادًا يحكم الله بينكم فيه، فخاب وخَسِر مَن خَرج من رحمة الله التي وَسِعَت كلَّ شيء، وحُرم جَنَة عرضها السماواتُ والأرض.
واعلموا أنَّ الأمان غدًا لمن يخاف اليوم، وباع قليلاً بكثير، وفانيًا بباقٍ، ألا تَرَوْن أنكم في أصلاب الهالكين، وسَيخلفها مِن بعدكم الباقون، حتى تُرَدُّوا إلى خير الوارثين.
ثم إنِّكم في كُل يوم تشيِّعون غاديًا ورائحًا إلى الله، قد قَضى نَحْبَه، وبَلغ أجَلَه، ثم تغيِّبونه في صدْعٍ في الأرض، ثم تَدَعُونه غير مُوَسَّد ولا مُمَهَّد، قد خَلَع الأسباب، وفارق الأحباب، وواجه الحساب، غنيًّا عما تَرك، فقيرًا إلى ما قَدَّم.
وايم الله، إني لأقول لكم هذِه المقالة وما أعلم عندَ أحدٍ منكم من الذنوب أكثرَ مِمَّا عندي؛ فأستغفر الله لي ولكم، وما تَبْلُغنا حاجةٌ يتَّسع لها ما عِنْدنا إلا سَدَدْناها، ولا أحدٌ مِنكم إلا وَدِدْت أنَّ يَده مع يدي ورحمي الذين يلونني، حتى يَسْتوي عيشُنا وعيشُكم.
وايم الله، إني لوْ أرَدتُ غيْرَ هذا من عيش أو غضارة لكان اللسانُ به ناطقًا ذَلُولاً عالمًا بأسبابه، ولكنَّه مَضى من الله كتابٌ ناطقٌ وسُنَّةٌ عادلةٌ، دلَّ فيهما على طاعته، ونَهى عن مَعْصيته... ".
ثم بَكى، فتلقَّى دُموعَ عَيْنَيْه بردائه ونَزل، فلم يعُد بعدَها على تلك الأعواد حتى قَبَضَه الله تعالى.الألوكة


في رحاب عمر بن عبدالعزيز

ما أروعَ الحديثَ حينما يكونُ عن الإصلاح! وما أجملَ الكلماتِ حينما تدور حولَ المُثُل والعدل! ولكن أروع من ذلك وأجمل أن نرى المُثُل والعدلَ رجالاً، والإصلاح فعالاً، أن نرى ذلك كله في شخصياتٍ عاشتْ ذلك واقعًا ملموسًا، وشاهدًا محسوسًا.
نقف - إخوة الإيمان - مع عَلَمٍ من أعلامِ الدنيا، وشامةٍ من شاماتِ الإسلام، مع عَلَمٍ أدهشَ التاريخ، وأذهلَ البَشَريَّة، إذا ذُكِر العدلُ تَلأْلأَتْ مَسَامتُه، وإذا ذُكِرَ الزُّهْد رَفْرَفَتْ رايتُه، وإذا ذكر الخوف تَأَلَّقَتْ نساكتُه، وإذا ذُكر الإصلاحُ والإصلاحيون كان هو أوَّلَهم، وحامل رايتهم؛ لقد كان بحقٍّ عَالَمًا في فرد، فأصبحَ بعد ذلك فردًا في العالَم
ذاك الرجل الذي كان دعاتُه يسيحيون في الأمصار: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى أغنى كل هؤلاء.
ذاك الرجل الذي كان عُمَّالُه يطوفون مملكتَه؛ يحملون الزكاة فلا يجدون من يأخذها.
ذاك الرجل الذي عَمَّ في عهده الأمنُ والأمان، فهدأت الثورات، وصلح المعاش، واختفتْ مظاهرُ الظُّلم، وغابت مَعالِمُ الفِسْق، وازدانت الأرض بعدْلِه وصلاحِه وإصلاحه.
إن سألتمْ عن سرِّ عظَمَةِ عمر، وندرةِ تَكرارِ شخصية عمر، فهو ذاك التَّحَوُّل العجيب في حياته؛ لقد كان ابن عبدالعزيز قبل الخلافة يعيشُ حياةَ البَذَخِ والتَّرَف، فكان يمتلك أعلى القُصُور، وتُضَمَّخ ثيابُه بأغلى العُطُور، وَيركَبُ أحسنَ المراكب، ويَلْبَسُ أبْهى الحُلل، حتى قال عن نفسه: ما لبسْتُ ثوبًا قط، فَرُئِي عليَّ، إلاَّ خُيِّلَ إليَّ أنه قد بَلِي.
هذا الرجلُ المُتْرَفُ الذي بلغَ في المظهريةِ غايتَها، تَحَوَّلَ منَ النقيضِ إلى النقيض، من الغِنى الفاحش إلى الزُّهْد المعضل.
لم تتغَيَّرْ حالُه بسبب موتِ قريب، ولا بفجيعةٍ لعزيز، ولا أنه قد كبر في السِّنِّ، أو اعتلَّه المرض، كلاَّ، لقد كانتْ نقطةُ التحوُّلِ في حياةِ عمر أن تولَّى الخلافة، فأصْبَحَتْ خزائنُ الدُّنيا بحذافيرها بين يديه في هذه اللَّحظة، التي تضعف فيها النُّفوس، كانت نقطة الاستقامة والتحوُّل في حياة عمر.
عندها غيَّر عمر مسار حياته؛ لأنه تَيَقَّن أنَّه قد تَحمَّلَ حِملاً عظيمًا كبيرًا، فَرفَضَ أطايبَ الحياةِ ومناعمها، ولاذَ بِتَقَشُّفٍ وشَظَفٍ، لا يَكاد يُطاق.
بدأ ابن عبدالعزيز خلافته بإصلاح مملكتِه، فبدأ بنفسِه، فنظَر إلى ثروتِه، فباعَ ما يملك، وردَّه في بيت المال، ثم غدا على زوجته فاطمة بنت عبدالملك.
.الألوكة



التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 01-17-2017 الساعة 05:15 AM
رد مع اقتباس