عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 01-01-2017, 07:06 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
y

المجلس الثاني عشر
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه .
تابع لا عيش إلا عيش الآخرة
ورع وزهد أبي بكر الصديق
"كان لأبي بكرٍ غلامٌ يُخرِجُ له الخَراجَ ، وكان أبو بكرٍ يَأكُلُ مِن خَراجِه ، فجاء يومًا بشيءٍ فأكلَ منه أبو بكرٍ ، فقال له الغلامُ : تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكرٍ : وما هو ؟ قال : كنتُ تَكَهَّنْتُ لإنسانٍ في الجاهليةِ ، وما أحسنَ الكَهانَةَ! إلا أني خدَعتُه ، فلَقِيَني فأعطاني بذلك ، فهذا الذي أكَلْتَ منه ، فأدخلَ أبو بكرٍ يدَه ، فقَاءَ كلَّ شيءٍ في بطنِه .الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3842 - خلاصة حكم المحدث : صحيح . الدرر السنية .

الشرح
تقولُ عائشةُ رضي الله عنها: كان لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه غلامٌ يُخرِج له الخرَاجَ، أي: يُعطيه كلَّ يومٍ ما عيَّنه وضرَبه عليه مِن كسبِه، وكان أبو بكرٍ رضي الله عنه يأكُلُ مِن خَراجِه إذا سأَله عنه وعرَف حِلَّه، فجاء يومًا بشيءٍ مِن كسْبِه، فأكَل منه أبو بكرٍ رضي الله عنه ولم يسأَلْه، فقال له الغلامُ: تَدري ما هذا الَّذي جئتُك به وأكلتَ منه؟ فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنْتُ لإنسانٍ في الجاهليَّةِ، وإنِّي ما أُحسِنُ الكِهانةَ، وهي الإخبارُ بالغيبِ مِن غيرِ طريقٍ شرعيٍّ، إلَّا أنِّي خدعتُه فلقِيني فأعطاني بذلك، أي: بمقابلة الَّذي تكهَّنْتُ له، فهذا الَّذي أكلتَ منه، فأدخَل أبو بكرٍ رضي الله عنه يدَه في فيه، أي: فمِه، فقاءَ، أي: استفرَغ كلَّ شيءٍ في بطنِه.في الحديثِ: ورَعُ أبي بكرٍ رضي الله عنه.الدرر السنية .
ما نفعَني مالٌ قطُّ ، ما نفَعني مالُ أبي بَكرٍ . قالَ : فبَكى أبو بَكرٍ وقالَ : يا رسولَ اللَّهِ ! هل أنا ومالي إلَّا لَكَ يا رسولَ اللَّهِ !.الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه-الصفحة أو الرقم: 77 | خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية .



قال البخاري في صحيحه :
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ" لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ، إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ القَارَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ المَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا: لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِصَلاَتِهِ وَلاَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ، عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَأَعْلَنَ بِالصَّلاَةِ وَالقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلاَنَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ - عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ» وَهُمَا الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهُوَ الخَبَطُ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ - بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا، يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيَا خِرِّيتًا، وَالخِرِّيتُ المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ العَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ - غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ،
الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 3905 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - انظر شرح الحديث رقم 14833 .

3905
-3905 - في هذا الحديثِ تُخبرُ عائشةُ رضِي اللهُ عنها أنَّها لم تَعقِلْ أَبوَيْها إلَّا وهُما يَدينانِ الدِّينَ، أي: لم تَعْرفْ أبَوَيها إلَّا وهما يَدينانِ بِدينِ الإسلامِ، ولم يَمرَّ علينا يومٌ إلَّا يَأْتينا فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَرَفَيِ النَّهارِ بُكرَةً وعَشيَّةً، فلمَّا ابْتُلِيَ المسلِمونَ، أي: بِأذَى المشرِكينَ، وأذِنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِأصحابِه في الهجرةِ إلى الحبشةِ، خرَج أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه مُهاجرًا قِبَلَ الحبشةِ، أي: إلى جِهةِ الحبشةِ؛ لِيَلحقَ بِمنَ سَبقَه مِنَ المسلِمينَ، فَسارَ حتَّى إذا بَلغَ بَرْكَ الغِمادِ، وهو مَوْضِعٌ وراءَ مكَّةَ بِخَمْسِ ليالٍ، أي حوالي: 140كم بالتقدير الحالي، فَلقيَه ابنُ الدِّغنَّةِ، وهو سيِّدُ القارَةِ، وهي قَبيلةٌ مَشهورةٌ مِن بني الهُونِ، فقال: أينَ تُريدُ يا أبا بكرٍ؟ فقال أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه: أَخرَجَني قَومِي، أي: تَسبَّبوا في إخراجي، فأنا أُريدُ أنْ أَسيحَ، أي: أسيرَ في الأرضِ، فَأَعبُدَ رَبِّي؛ فقالَ ابنُ الدِّغِنَّةِ: إنَّ مِثلَكَ لا يَخرُج ولا يُخرَجُ؛ فإنَّك تَكِسبُ المعدومَ، أي: تُعطي النَّاسَ ما لا يَجدوَنه عند غيرِك، وتَصلُ الرَّحِمَ، أي: القَرابةَ، وتحملُ الكَلَّ، وهو الَّذي لا يَستقِلُّ بِأمرِه، وتَقْرِي الضَّيفَ، أي: تُهيِّئ له طعامَه ونُزُلَه، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ، أي: حوادثِه ومصائِبِه، وأنا لكَ جارٌ، أي: مُجيرٌ لك مُؤمِّنُك مِمَّنْ تَخافُهم، فارجِعْ فَاعبدْ رَبَّكَ بِبلادِك، فَارتحلَ ابنُ الدِّغِنَّةِ فَرجَعَ مع أبي بكرٍ رضِي اللهُ عنه، فَطافَ ابنُ الدِّغِنَّةِ في أشرافِ كفَّارِ قُريشٍ، أي: ساداتِهم، فقالَ لهم: إنَّ أبا بكرٍ لا يَخرُجُ مِثْلُه، ولا يُخرَج، أَتُخرِجون رَجلًا يَكْسِبُ المعدومَ، ويصلُ الرَّحمَ، ويَحملُ الكَلَّ، ويَقْرِي الضَّيفَ، ويُعينُ على نَوائبِ الحقِّ؟! فَأنفذَتْ قريشٌ جِوارَ ابنِ الدِّغِنَّةِ، أي: أَمضَوْه ورَضُوا به، وأمَّنوا أبا بكرٍ رضِي اللهُ عنه، أي: جَعلُوه في أمانٍ مِن شَرِّهم، وقالوا لابنِ الدِّغِنَّة: مُرْ أبا بكرٍ فَلْيعبدْ رَبَّه في دارِه، ولْيُصلِّ ولْيَقرأْ ما شاء َولا يُؤذِينا بذلك؛ إشارةً إلى ما ذُكِرَ مِنَ الصَّلاةِ والقراءةِ، ولا يَستعْلِنْ، أي: لا يَجهرْ به، فإنَّا قد خَشينا أنْ يَفتِنَ أبناءَنا ونساءَنا، أي: يُخرجَهم مِن دِينِهم إلى دِينِه، فقالَ ابنُ الدِّغِنَّةِ ذلك الَّذي شَرطَه كَفارُّ قُريشٍ لأبي بكرٍ رضِي اللهُ عنه، فَطَفِقَ، أي: فَجَعلَ أو فَبدأَ أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه يَعبدُ ربَّه في دارِه ولا يَستعْلِنُ باِلصَّلاةِ ولا القِراءةِ في غيرِ دارِه، ثُمَّ بَدَا، أي: ظَهرَ لأبي بكرٍ رضِي اللهُ عنه رأْيٌ في أمْرِه بِخلافِ ما كان يفعلُه، فَابتَنى مَسجِدًا بِفِناءِ دارهِ، أي: ما امتدَّ مِن جوانبِها، وهو أوَّلُ مسجدٍ بُنِيَ في الإسلامِ، وبَرزَ، أي: ظَهرَ أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه، فكان يُصلِّي فيه ويَقرأُ القرآنَ فَيتقصَّفُ عليه نِساءُ المشرِكينَ وأبناؤُهم، أي: يَزدَحمون عليه، ويَنظُرون إليه، وكان أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه رَجلًا بَكَّاءً، أي: كثيرَ البُكاءِ، لا يَملِكُ دَمْعَهُ، أي: لا يَملكُ إسكاتَ عَينَيْه عَنِ البكاءِ مِن رِقَّةِ قَلبِه، وذلك حين يَقرأُ القرآنَ، فَأَفْزعَ، أي: أَخافَ ذلك أشرافَ قُريشٍ مِنَ المشركينَ؛ لِمَا يَعلَمونَ مِن رِقَّةِ قلوبِ النِّساءِ والشَّبابِ أنْ يَميلوا إلى دِينِ الإسلامِ، فأرْسَلوا إلى ابنِ الدِّغِنَّةِ فَقدِمَ عليهم فقالوا له: إنَّا كنَّا أجَرْنَا، أي: أمَّنَّا، أبا بكرٍ على أنْ يَعبدَ ربَّه في دارِه، وإنَّه جاوَزَ ذلك فَابتنَى مسجدًا بِفِناءِ دارِه وأَعلنَ الصَّلاة َوالقراءةَ وقدْ خَشِينا أنْ يَفتنَ أبناءَنا ونِساءَنا، فَائْتِه فَإنْ أَحبَّ أنْ يَقتصِرَ على أنْ يَعبُدَ ربَّه في دارِه فَعلَ وإنْ أبَى، أي: امْتنعَ، إلَّا أنْ يُعلنَ ذلك، فَسلْه أنْ يَرُدَّ إليك ذِمَّتكَ، أي: عهْدَك له؛ فإنَّا كرِهْنا أنْ نُخْفِرَك، أي: نَنقُضَ عهْدَك، ولسْنا مُقِرِّينَ لأبي بَكرٍ الاستعلانَ، أي: لا نَسكتُ على الإنكارِ عليه؛ خوفًا على نِسائِنا وأبنائِنا، فَأتى ابنُ الدِّغِنَّةِ أبا بكرٍ رضِي اللهُ عنه فقال له: قد عَلمْتَ الَّذي عقدْتُ لك عليه، فإمَّا أنْ تَقتَصِرَ على ذلك، أي: على الَّذي شرَطوه، وإمَّا أنْ تُردَّ إليَّ ذِمَّتي، أي: عهدي؛ فإنِّي لا أُحبُّ أنْ تَسمعَ العربُ أنِّي أُخْفرتُ، أي: غُدِرْتُ، في رَجلٍ عَقدْتُ له، قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضِي اللهُ عنه: إِنِّي أَردُّ إليكَ جِوارَك وأرْضَى بِجوارِ اللهِ، أي: بِأمانةِ اللهِ وحمايتِه، وفيه قوَّةُ يَقينِ الصِّدِّيقِ رضِي اللهُ عنه، وقد كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومئذٍ بِمكَّةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قدْ أُريتُ دارَ هِجرتِكم، رأيتُ سَبَخةً، أي: أرضًا تعْلُوها الملوحةُ ولا تكادُ تُنبِتُ إلَّا بعضَ الشَّجرِ، ذاتَ نَخلٍ بَيْنَ لابَتَينِ: تَثْنيةُ لابَةٍ، وهما الحَرَّتانِ، والحَرَّةُ أرضٌ بها حجارةٌ سُودٌ، فهاجَرَ مَن هاجَرَ مِنَ المسلِمينَ قِبَلَ المدينةِ حين ذكَرَ ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورجَعَ إلى المدينةِ بعضُ مَن كان هاجَرَ إلى أرضِ الحَبشةِ، وتجهَّزَ أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه مهاجرًا، أي: طالبًا لِلهِجرةِ مِن مكَّةَ، فقالَ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: على رِسْلِك، أي: على مَهَلِك مِن غيرِ عَجلةٍ؛ فَإِنِّي أرجو أنْ يُؤذنَ لي، أي: يأذنَ اللهُ لي في الهجرةِ، فقالَ أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه: هلْ ترجو ذلك بأبي أنتَ، أي: مَفْدِيٌّ أنتَ بأبي، قال عليه الصَّلاة والسلام: نعم أرجو ذلك، فَحبسَ أبو بكرٍ رضِي اللهُ عنه نفْسَه، أي: مَنعَها مِنَ الهجرةِ على رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِيصحَبَه، أي: لِيكونَ صاحبًا له في الهجرةِ، وهذا ما كان، وعلَفَ رَاحلتَينِ كانَتا عندَه ورقَ السَّمُرِ، وهو الخَبَطَ أربعةَ أشهُرٍ.
وفي الحديثِ: فضيلةٌ ظاهرةٌ لأبي بكر رضِي اللهُ عنه، وأنَّه كان أشبهَ الناسِ أَخلاقًا برسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه: ما كان عليه العربُ المُشرِكون مِن حِفظِ العَهدِ والجوارِ.
الدرر السنية




التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 01-10-2017 الساعة 05:38 PM
رد مع اقتباس