عرض مشاركة واحدة
  #38  
قديم 12-19-2020, 12:43 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,648
افتراضي

📩 قواعد قرآنية

القاعدة السادسة والثلاثون:

🔅 {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]

هذه قاعدة شرعية من أعظم القواعد الشرعية التي يفزع إليها العلماء في فتاواهم.

📍ولما كانت التقوى قد يعرض لصاحبها التقصير في إقامتها حرصًا على إرضاء شهوة النفس؛ زيد تأكيدُ الأمر بالتقوى بقوله: ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ أي: مدَّةَ استطاعتكم؛ ليعمَّ الأزمان كلها، ويعمَّ الأحوال تبعًا لعموم الأزمان ويعمّ الاستطاعات، فلا يتخلوا عن التقوى في شيء من الأزمان،

وجعلت الأزمان ظرفًا للاستطاعة لئلا يقصروا بالتفريط في شيءٍ يستطيعونه فيما أمروا بالتقوى في شأنه ما لم يخرج عن حدّ الاستطاعة إلى حدّ المشقة،

💡فليس في قوله: ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ تخفيف ولا تشديد، ولكنه عَدل وإنصافٌ، ففيه ما عليهم وفيه ما لهم.

▫️وبعد هذا العرض المجمل لمعنى القاعدة، يتبين أن هذا القدر من التقوى هو الواجب على العبد فعله -وهو تقوى الله ما استطاع-،

▫️أما التقوى التي يستحقها الله -تعالى-، فهي التي جاءت في قوله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، وهي التي فسَّرها جمع من السلف بقوله: أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، وبهذا الجمع يتبين أنه لا يصح قول من قال: إن هذه القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ناسخة لآية آل عمران: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ .

ولعلنا نأخذ بعض الأمثلة التي تجلي هذه القاعدة:

١- روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟! فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو قلتُ: نعم لوجبت! ولما استطعتم»!

ثم قال: «ذروني ما تركتكم! فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه».

٢- ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه: إذا اجتمعت مصالح ومفاسد، فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالًا لأمر الله تعالى فيهما؛ لقوله -سبحانه وتعالى-: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ، وإن تعذَّر الدرء والتحصيل؛ فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة؛ درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة، قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما.

٣- أن الواجب عند إرادة الصلاة: التطهُّر بالماء، فإن عدم أو تعذر استعماله، فإن الإنسان ينتقل إلى التيمم كما هو معلوم.

٤- أن صلاة الفريضة الأصل فيها أن يؤديها المصلي قائمًا، فإن عجز صلى جالسًا، وإلا صلى قاعدًا، كما دلّ على ذلك حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه-، ويدخل في ذلك جميع شروط الصلاة وأركانها وواجباتها.

٥- وفي الصيام يجب على المسلم أن يمسك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإن كان الصيام يشق عليه أفطر وانتقل إلى الإطعام.

٦- ومن تطبيقات هذه القاعدة العظيمة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن المكلف يجب عليه أنه ينكر باليد إذا قدر عليه، فإن عجز فباللسان، وإلا فبالقلب؛ كما دل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- المخرج في الصحيح.

٧- وفي باب النفقات: فإن من عليه نفقةٌ واجبة، وعجز عن جميعها، بدأ بزوجته فرقيقه، فالولد، فالوالدين، فالأقرب ثم الأقرب، وكذلك زكاة الفطر.

💡 وبما سبق من أمثلة يتجلى لنا عظيم موقع هذه القاعدة من هذا الشرع المطهر، الذي مبناه على اليسر والسعة، فنسأل الله تعالى الذي هدانا لهذا الدين القويم، أن يثبتنا عليه حتى نلقاه، وأن يرزقنا الفقه في دينه، والبصيرة فيه.

"من كتاب "قواعد قرآنية" - د.عمر المقبل (باختصار)".

ღ قوت القلوب ღ

التعديل الأخير تم بواسطة أم حذيفة ; 12-19-2020 الساعة 01:00 AM
رد مع اقتباس