عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 03-11-2013, 03:41 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,031
رسالة النووي إلى السلطان في التلطف بالرعية وعدم انتزاع أملاكهم
ومما كتبه أيضاً الإمام النووي إلى السلطان حينما حارب التتار وأزالهم عن البلاد، إذ ذهب السلطان إلى دمشق فقال له وكيل بيت المال في دمشق: إن هذه الأملاك ومعظم الأراضي التي تحت أيدي الناس إنما هي ملك للدولة، وهي وقف عليها، وأما هؤلاء الناس فقد استولوا عليها استيلاء، فأمر السلطان بأن تُحاط هذه الأملاك وتنتزع من هؤلاء الناس، ولا يأخذ أحد منهم ما يدّعيه إلا إذا أثبت ذلك بمكتوب وبأوراق، فحينما فعل ذلك السلطان وأصدر أوامره كتب إليه الإمام النووي مرة ثالثة.
قال: الحمد لله رب العالمين.
قال الله تعالى: "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، وقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187]، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وقد أوجب الله على المكلفين نصيحة السلطان أعز الله أنصاره، ونصيحة عامة المسلمين، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

الدِّينُ النَّصيحةُ قلنا : لمن ؟ قال : للَّهِ ولكتابِهِ ولرسولِهِ ولأئمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهم .
الراوي: تميم الداري المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم -
الصفحة أو الرقم: 55-خلاصة حكم المحدث: صحيح- الدرر

ومن نصيحة السلطان -وفقه الله لطاعته وتولاه بكرامته- أن يُنهى إليه الأحكام إذا جرت على خلاف قواعد الإسلام، أو على غير ما قرره الشرع، فأنت قد أمرت بنزع هذه الأراضي ممن وضعوا أيديهم عليها، وهذا بخلاف حكم الإسلام، فحينما كان ذلك ونحن نعلم محبتك لشرع الله وجب علينا أن ننصحك وأن نبين لك حكم ما فعلت.
قال: قال الله تعالى: "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَلِلْمُؤْمِنِينَ" [الحجر:88]، وفي الحديث: *

*هل تنصرون و ترزقون إلا بضعفائكم الراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7035- خلاصة حكم المحدث: صحيح* الدرر

أي: بدعاء ضعفائكم لا بذواتهم وأشخاصهم كما هو مقرر في عقيدة أهل السنة.
قال: وقال صلى الله عليه وسلم:
من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر في الدنيا ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ، ما كان العبد في عون أخيه الراوي: أبو هريرة المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1930
خلاصة حكم المحدث: صحيح - الدرر


وقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم من ولي من أمر ....

أتيتُ عائشةَ أسألُها عن شيٍء . فقالت : ممن أنت ؟ فقلتُ : رجلٌ من أهلِ مصرَ . فقالت : كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذهِ ؟ فقال : ما نقمنا منهُ شيئًا . إن كان ليموتُ للرجلِ منا البعيرُ ، فيُعطيهِ البعيرَ . والعبدُ ، فيُعطيهِ العبدَ . ويحتاجُ إلى النفقةِ ، فيُعطيهِ النفقةَ . فقالت : أما إنَّهُ لا يمنعني الذي فُعِل في محمدٍ بنِ أبي بكرٍ ، أخي ، أن أُخبرك ما سمعتُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، يقول في بيتي هذا ( اللهم ! من وليَ من أمرِ أمتي شيئًا فشقَّ عليهم ، فاشقق عليهِ . ومن ولىَ من أمرِ أمتي شيئًا فرفقَ بهم ، فارفقْ بهِ ) .
الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1828-خلاصة حكم المحدث: صحيح الدرر
وقال صلى الله عليه وسلم:
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الراوي: عبدالله بن عمر المحدث:الألباني - المصدر: غاية المرام - الصفحة أو الرقم: 269-خلاصة حكم المحدث: صحيح- الدرر ،
وقال صلى الله عليه وسلم:
* "
إن المقسطينَ ، عند اللِه ، على منابرَ من نورٍ . عن يمينِ الرحمنِ عز وجل . وكلتَا يديهِ يمينٌ ؛ الذين يعدلونَ في حُكمهِم وأهليهِم وما وُلّوا "
الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1827-خلاصة حكم المحدث: صحيح - الدرر

وقد أنعم الله علينا وعلى سائر المسلمين بالسلطان أعز الله أنصاره، فقد أقامه لنصرة الدين والذب عن المسلمين.
السلطان بيبرس كان محباً للدين ولشرع الله عز وجل، وكان محباً للسنة وللعلماء، وكان يقربهم إليه.
قال: وأذل به الأعداء من جميع الطوائف، وفتح عليه الفتوحات المشهورة في المدة اليسيرة، وأوقع الرعب منه في قلوب أعداء الدين وسائر الماردين، ومهّد له البلاد والعباد وقمع أهل الزيغ والفساد، .وأمده بالإعانة واللطف والسعادة، فلله الحمد على هذه النعم المتظاهرة والخيرات المتكاثرة، ونسأل الله الكريم دوامها له وللمسلمين وزيادتها في خير وعافية آمين.
قال: لقد أوجب الله شكر نعمه، ووعد الزيادة للشاكرين، فقال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
ولقد لحق المسلمين بسبب هذه الحيطة التي أنت عملتها على أملاكهم أنواع من الضرر لا يمكن التعبير عنها، وطُلب منهم إثبات ما لم يلزمهم.
أي: أنهم يقدمون الأوراق والمستندات، وهذا أمر لم يلزمهم به الشرع، فهذه الحيطة لا تحل عند أحد من علماء المسلمين، بل من في يده شيء فهو ملكه لا يحل الاعتراض عليه ولا يكلف بإثباته.
قال: وقد اشتهر من سيرة السلطان أنه يحب العمل بالشرع ويوصي نوابه فهو أولى من عمل به، أي أنك إذا كنت أنت توصي بالالتزام بالشرع فأولى بك أن تكون أول العاملين به، والمسئول إطلاق الناس من هذه الحيطة، والإفراج عن جميعهم فأطلقهم أطلقك الله من كل مكروه، فهم ضعفة وفيهم الأيتام والأرامل والمساكين والضعفة والصالحون، وبهم ننصر ونغاث ونُرزق، وهم سكان الشام المبارك جيران الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وسكان ديارهم، فلهم حرمات من جهات متعددة، فأطلقهم أطلقك الله تعالى.
ولو رأى السلطان ما يلحق الناس من الشدائد -يعني: لو أنك نزلت إلى واقع الناس وإلى الشوارع ونظرت إلى حال الناس- لاشتد حزنه عليهم، وأطلقهم في الحال ولم يؤخرهم، ولكن لا تنهى الأمور إليه على وجهها، أي لا تبلغه أحوال الرعية كما ينبغي؛ لأن في الطريق عقبات كثيرة تحول وتحجب بين إيصال الواقع وحقيقة الرعية إلى الراعي والمسئول.
فبالله أغث المسلمين يغثك الله، وارفق بهم يرفق الله بك، وعجّل لهم الإفراج قبل وقوع الأمطار، وتلف غلاتهم فإن أكثرهم ورثوا هذه الأملاك من أسلافهم، ولا يمكن تحصيل كتب شراء -أي: الأوراق التي يثبتون بها الشراء- وقد نُهبت كتبهم، وإذا رفق السلطان بهم حصل له دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رفق بأمته، ونصره الله على أعدائه فقال تعالى: "إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ "[محمد:7]، وقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم ......
ومن ولىَ من أمرِ أمتي شيئًا فرفقَ بهم ، فارفقْ بهِ " فإن أنت أطلقت الناس في أملاكهم حصل لك النصر من عند الله، ورفق الله تعالى بك كما رفقت بالرعية، وتتوفر له من رعيته الدعوات وتظهر في مملكته البركات، ويبارك له في جميع ما يقصده من الخيرات.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ، ووزر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء الراوي: جرير بن عبدالله المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6305- خلاصة حكم المحدث: صحيح- الدرر


فنسأل الله الكريم أن يوفق السلطان للسنن الحسنة التي يُذكر بها إلى يوم القيامة، ويحميه من السنن السيئة.
فهذه نصيحتنا الواجبة علينا للسلطان، ونرجو من فضل الله تعالى أن يلهمه الله فيها القبول.
والسلام عليكم ورحمة الله.
والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس