عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 12-20-2015, 02:46 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016
افتراضي المراجعة


مجالس المراجعة
الفصلُ الأوَّلُ
:

آدابُ الطالبِ في نفسِه
1-العلْمُ عِبادةٌ :
أصلُ الأصولِ في هذه ( الْحِلْيَةِ )، بل ولكلِّ أمْرٍ مَطلوبٍ عِلْمُك بأنَّ العِلْمَ عِبادةٌ، قالَ بعضُ العُلماءِ : ( العِلْمُ صلاةُ السِّرِّ ،وعبادةُ القَلْبِ )
وعليه ؛ فإنَّ شَرْطَ العِبادةِ :
1-إخلاصُ النِّيَّةِ للهِ سبحانَه وتعالى ، لقولِه :{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ...}الآيةَ .وفي الحديثِ الفَرْدِ المشهورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ... ))الحديثَ .
فإنْ فَقَدَ العِلْمُ إخلاصَ النِّيَّةِ ، انْتَقَلَ من أَفْضَلِ الطاعاتِ إلى أَحَطِّ المخالَفاتِ ولا شيءَ يَحْطِمُ العِلْمَ مثلُ الرياءِ : رياءُشِرْكٍ ، أو رِياءُ إخلاصٍ ومِثلُ التسميعِ ، بأن يَقولَ مُسَمِّعًا : عَلِمْتُ وحَفِظْتُ .
وعليه فالْتَزِم التَّخَلُّصَ من كلِّ ما يَشوبُ نِيَّتَكَ في صِدْقِ الطلَبِ كحبِّ الظهورِ ، والتفوُّقِ على الأقرانِ ، وجَعْلِه سُلَّمًا لأغراضٍ وأعراضٍ من جاهٍ أو مالٍ أو تعظيمٍ أو سُمْعَةٍ أو طَلَبِ مَحْمَدَةٍ أوصَرْفِ وُجوهِ الناسِ إليك ، فإنَّ هذه وأَمثالَها إذا شَابَت النِّيَّةَ أَفْسَدَتْها وذَهَبَتْ بَرَكَةُ العلْمِ ولهذا يَتَعَيَّنُ عليك أن تَحْمِيَ نِيَّتَكَ من شَوْبِ الإرادةِ لغيرِ اللهِ تعالى ، بل وتَحْمِي الْحِمَى .

وللعُلماءِ في هذا أقوالٌ ومَوقفٌ بَيَّنْتُ طَرَفًا منها في الْمَبْحَثِ الأَوَّلِ من كتابِ ( التعالُمِ ) ويُزادُ عليه نَهْيُ العلماءِ عن ( الطَّبُولِيَّاتِ ) وهي المسائلُ التي يُرادُ بها الشُّهْرَةُ .
وقد قيلَ: ( زَلَّةُ العالِمِ مَضروبٌ لها الطَّبْلُ )
وعن سفيانَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ :( كُنْتُ أُوتِيتُ فَهْمَ الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا قَبِلْتُ الصُّرَّةَ سُلِبْتُهُ )
فاستَمْسِكْ رَحِمَك اللهُ تعالى بالعُروةِ الوُثْقَى العاصمةِ من هذه الشوائبِ ، بأن تكونَ مع – بَذْلِ الْجَهْدِ في الإخلاصِ – شديدَ الخوفِ من نَواقِضِه ،عظيمَ الافتقارِ والالتجاءِ إليه سبحانَه .
ويُؤْثَرُ عن سُفيانَ بنِ سَعيدٍ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى قولُه :
(
مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِيَّتِي )
وعن عمرَ بنِ ذَرٍّ أنه قالَ لوالدِه : يا أبي ! ما لَكَ إذا وَعَظْتَ الناسَ أَخَذَهم البُكاءُ ، وإذا وَعَظَهم غيرُك لا يَبكونَ ؟ فقال : يا بُنَيَّ ! لَيْسَت النائحةُ الثَّكْلَى مثلَ
النائحةِ المسْتَأْجَرَةِ
.
وَفَّقَكَ اللهُ لرُشْدِكَ آمِينَ .

2- الْخَصْلَةُ الجامعةُ لِخَيْرَي الدنيا والآخِرةِ ( مَحَبَّةُ اللهِ تعالى ومَحَبَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وتَحقيقُها بتَمَحُّضِ المتابَعَةِ وقَفْوِ الأثَرِ للمعصومِ .قال اللهُ تعالى :
{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }وبالجُملةِ فهذا أَصلُ هذه ( الْحِلْيَةِ )، ويَقعانِ منها مَوْقِعَ التاجِ من الْحُلَّةِ .
فياأيُّها الطُّلابُ ها أنتم هؤلاءِ تَرَبَّعْتُم للدَّرْسِ وتَعَلَّقْتُمْ بأنْفَسِ عِلْقٍ ( طَلَبِ العلْمِ ) فأُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ تعالى في السرِّ والعَلانيةِ فهي العُدَّةُ ، وهي مَهْبِطُ الفضائلِ ،ومُتَنَزَّلُ الْمَحَامِدِ وهي مَبعثُ القوَّةِ ومِعراجُ السموِّ والرابِطُ الوَثيقُ على القُلوبِ عن الفِتَنِ فلا تُفَرِّطُوا .
2-كنْ على جَادَّةِ السلَفِ الصالحِ
كنْ سَلَفِيًّا على الْجَادَّةِ ، طريقِ السلَفِ الصالحِ من الصحابةِ رَضِي اللهُ عَنْهُم ، فمَن بَعْدَهم مِمَّنْ قَفَا أَثَرَهم في جميعِ أبوابِ الدينِ ، من التوحيدِ والعِباداتِ ونحوِها مُتَمَيِّزًا بالتزامِ آثارِرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوظيفِ السُّنَنِ على نفسِك وتَرْكِ الْجِدالِ والْمِراءِ والْخَوْضِ في عِلْمِ الكلامِ وما يَجْلُبُ الآثامَ ويَصُدُّ عن الشرْعِ .

قالَ الذهبيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى :
( وَصَحَّ عن الدَّارَقُطْنِيِّ أنه قالَ : ما شيءٌ أَبْغَضَ إليَّ من عِلْمِ الكلامِ . قلتُ: لم يَدْخُل الرجُلُ أبدًا في علْمِ الكلامِ ولاالْجِدالِ ولا خَاضَ في ذلك، بل كان سَلَفِيًّا ) اهـ.

وهؤلاءِهم ( أهلُ السنَّةِ والجماعةِ ) الْمُتَّبِعون آثارَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى :
( وأهلُ السنَّةِ : نَقاوةُ المسلمينَ، وهم خيرُ الناسِ للناسِ ) اهـ .
فالْزَم السبيلَ{ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } .

3- مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى
:

التَّحَلِّي بعِمارةِ الظاهِرِ والباطِنِ بخشْيَةِ اللهِ تعالى: مُحافِظًا على شعائرِالإسلامِ وإظهارِ السُّنَّةِ ونَشرِها بالعَمَلِ بها والدعوةِ إليهادَالًّا على اللهِ بعِلْمِكَ وسَمْتِكَ وعَمَلِكَ مُتَحَلِّيًا بالرجولةِ والمساهَلَةِ والسمْتِ الصالحِ .ومِلاكُ ذلك خَشيةُ اللهِ تعالى ، ولهذا قالَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَه اللهُ تعالى:( أَصْلُ الْعِلْمِ خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى )
فالْزَمْ خَشيةَ اللهِ في السرِّ والعَلَنِ فإنَّ خيرَ الْبَرِيَّةِ مَن يَخْشَى اللهَ تعالى،وما يَخشاهُ إلا عالِمٌ، إِذَنْ فخيرُ البَرِيَّةِ هو العالِمُ ولايَغِبْ عن بَالِكَ أنَّ العالِمَ لا يُعَدُّ عالِمًا إلا إذا كان عامِلًاولايَعْمَلُ العالِمُ بعِلْمِه إلا إذا لَزِمَتْه خَشيةُ اللهِ .
وأَسْنَدَالْخَطيبُ البَغداديُّ رَحِمَه اللهُ تعالى بسَنَدٍ فيه لَطيفةٌ إسناديَّةٌ برِوايةِ آباءٍ تِسعةٍ فقالَ : أَخبَرَنا أبو الفَرَجِ عبدُالوَهَّابِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ الحارثِ بنِ أَسَدِ بنِ الليثِ بنِ سُليمانَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ سُفيانَ بنِ زَيدِ بنِ أُكَينةَ بنِ عبدِ اللهِ التميميُّ من حِفْظِه ، قالَ : سَمِعْتُ أبي يقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سمعتُ أبي يَقولُ : سَمِعتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ يقولُ : ( هَتَفَ العلْمُ بالعَمَلِ، فإنْ أَجابَه وإلا ارْتَحَلَ ) اهـ .
وهذا اللفظُ بنَحوِه مَرْوِيٌّ عن سُفيانَ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .

4- دوامُ الْمُراقَبَةِ :
التحَلِّي بدوامِ المراقَبَةِ للهِ تعالى في السرِّ والعَلَنِ سائرًا إلى ربِّك بينَ الخوفِ والرجاءِ فإنهما للمسلِمِ كالْجَناحَيْنِ للطائرِ .
فأَقْبِلْ على اللهِ بكُلِّيَّتِكَ ولْيَمْتَلِئْ قلْبُك بِمَحبَّتِه ولسانُك بذِكْرِه والاستبشارِ والفرْحِ والسرورِ بأحكامِه وحُكْمِه سبحانَه .

5- خَفْضُ الْجَناحِ ونَبذُ الْخُيلاءِ والكِبرياءِ :
تَحَلَّ بآدابِ النفْسِ من العَفافِ والحِلْمِ والصبرِ والتواضُعِ للحَقِّ وسكونِ الطائرِ من الوَقارِ والرزانةِ وخَفْضِ الْجَناحِ مُتَحَمِّلًا ذُلَّ التعلُّمِ لعِزَّةِ العِلْمِ ذَليلًا للحَقِّ .
وعليه : فاحْذَرْ نَواقِضَ هذه الآدابِ فإنَّها مع الإثْمِ تُقيمُ على نَفْسِكَ شاهدًا على أنَّ في العَقْلِ عِلَّةً . وعلى حِرمانٍ من العلْمِ والعملِ به ، فإيَّاكَ والْخُيلاءَ فإنه نِفاقٌ وكِبرياءُ وقد بَلَغَ من شِدَّةِ التَّوَقِّي منه عندَ السلَفِ مَبْلَغًا : ومن دقيقِه ما أَسنَدَه الذهبيُّ في تَرجمةِ عمرِو بنِ الأسودِ العَنْسِيِّ الْمُتَوَفَّى في خِلافةِ عبدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوانَ رَحِمَه اللهُ تعالى : أنه كان إذاخَرَجَ من المسجدِ قَبَضَ بيمينِه على شِمالِه فُسِئَل عن ذلك ؟ فقال : مَخافةَ أن تُنافِقَ يَدِي .
قلتُ :يُمْسِكُها خَوفًا من أن يَخْطُرَ بيدِه في مِشيتِه ، فإنَّه من الْخُيلاءِ. اهـ .
وهذا العارِضُ عَرَضَ للعَنْسِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .
واحْذَرْ داءَ الْجَبابِرَةِ ( الْكِبْرَ )؛ فإنَّ الكِبْرَ والحرْصَ والحسَدَ أوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ به ، فتَطَاوُلُكَ على مُعَلِّمِكَ كِبرياءُ، واستنكافُكَ عَمَّن يُفيدُك مِمَّنْ هو دونَك كِبرياءُ،وتَقصيرُك عن العمَلِ بالعِلْمِ حَمْأَةُ كِبْرٍ وعُنوانُ حِرمانٍ .
فالْزَمْرَحِمَك اللهُ – اللُّصُوقَ إلى الأرضِ والإزراءَ على نفسِك وهَضْمَهاومُراغَمَتَها عندَ الاستشرافِ لكِبرياءَ أو غَطرسةٍ أو حُبِّ ظُهورٍ أوعُجْبٍ ... ونحوِ ذلك من آفاتِ العِلْمِ القاتلةِ له الْمُذهِبَةِ لِهَيْبَتِه الْمُطْفَئِةِ لنورِه وكُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا أو رِفعةً في وِلايةٍ فالزَمْ ذلك ، تُحْرِزْ سعادةً عُظْمَى ،ومَقامًا يَغْبِطُكَ عليه الناسُ .
وعن عبدِ اللهِ بنِ الإمامِ الحُجَّةِ الراويةِ في الكتُبِ الستَّةِ بكرِ بنِ عبدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهما اللهُ تعالى قالَ :
(
سَمِعْتُ إنسانًا يُحَدِّثُ عن أبي ، أنه كان واقفًا بعَرَفَةَ فَرَقَّ ، فقالَ : لولا أَنِّي فيهم ، لقُلْتُ قد غُفِرَ لهم ) .
خَرَّجَه الذهبيُّ ثم قالَ : ( قلتُ : كذلك يَنبغِي للعبْدِ أن يُزْرِيَ على نفسِه ويَهْضِمَها ) اهـ .
6- القناعةُ والزَّهادةُ :
التَّحَلِّي بالقَناعةِ والزَّهادةِ ، وحقيقةُ الزهْدِ ( الزهْدُ بالحرامِ والابتعادُ عن حِمَاهُ ، بالكَفِّ عن الْمُشتَبِهَاتِ وعن التَّطَلُّعِ إلى ما في أيدي الناسِ ) .
ويُؤْثَرُعن الإمامِ الشافعيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( لو أَوْصَى إنسانٌ لأَعْقَلِ الناسِ صُرِفَ إلى الزهَّادِ ) وعن مُحَمَّدِ بنِ الحسَنِ الشيبانيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى لَمَّا قِيلَ له : أَلَا تُصَنِّفُ كتابًافي الزهْدِ ؟ قال : ( قد صَنَّفْتُ كِتابًا في البُيوعِ ) .
يعني:( الزاهدُ مَن يَتَحَرَّزُ عن الشُّبُهاتِ والمكروهاتِ في التجاراتِ وكذلك في سائرِ الْمُعاملاتِ والْحِرَفِ ) اهـ .
وعليه فليكنْ مُعْتَدِلًا في مَعاشِه بما لا يُشِينُه بحيثُ يَصونُ نفسَه ومَن يَعولُ ولا يَرِدُ مَواطِنَ الذلَّةِ والْهُونِ .
وقد كان شيخُنا مُحَمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ الْمُتَوَفَّى في
17/12/1393 هـ رَحِمَه اللهُ تعالى متَقَلِّلًا من الدنيا وقد شاهَدْتُه لا يَعرِفُ فِئاتِ العُملةِ الوَرَقِيَّةِ وقد شافَهَنِي بقولِه :
( لقد جِئْتُ من البلادِ – شِنقيطَ – ومعي كَنْزٌ قلَّ أن يُوجدَ عندَ أحدٍ وهو ( القَناعةُ )، ولوأرَدْتُ المناصِبَ لعَرَفْتُ الطريقَ إليها ولكني لا أُؤْثِرُ الدنيا على الآخِرةِ ولا أَبْذُلُ العلْمَ لنَيْلِ المآرِبِ الدُّنيويَّةِ ) فرَحِمَه اللهُ تَعَالَى رَحمةً واسعةً آمِينَ .

7- التَّحَلِّي برَوْنَقِ العِلْمِ :
التَّحَلِّي بـ ( رَوْنَقِ العِلْمِ ) حُسْنِ السمْتِ ، والْهَدْيِ الصالحِ ، من دَوامِ السكينةِ والوَقارِ والخشوعِ والتواضُعِ ولزومِ الْمَحَجَّةِ بعِمارةِ الظاهِرِ والباطنِ والتَّخَلِّي عن نواقِضِها .
وعن ابنِ سيرينَ رَحِمَه اللهُ تعالى قالَ : ( كَانُوا يَتَعَلَّمُون الْهَدْيَ كما يَتَعَلَّمُون العِلْمَ ) وعن رجاءِ بنِ حَيْوَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ لرَجُلٍ : (حَدِّثْنَا ، ولا تُحَدِّثْنا عن مُتَمَاوِتٍ* ولا طَعَّانٍ ) رواهما الخطيبُ في ( الجامِعِ ) وقالَ :( يَجِبُ على طالبِ الحديثِ أن يَتَجَنَّبَ : اللعِبَ ، والعَبَثَ ،والتبَذُّلَ في المجالِسِ بالسُّخْفِ والضحِكِ والقَهْقَهَةِ وكثرةِالتنادُرِ وإدمانِ الْمِزاحِ والإكثارِ منه ، فإنما يُستجازُ من الْمِزاحِ بيَسيرِه ونادِرِه وطَريفِه والذي لا يَخْرُجُ عن حدِّ الأَدَبِ وطَريقةِ العلمِ ، فأمَّا متَّصِلُه وفاحِشُه وسخيفُه وما أَوْغَرَ منه الصدورَوجَلَبَ الشرَّ فإنه مَذمومٌ وكثرةُ الْمِزاحِ والضحِكِ يَضَعُ من القدْرِويُزيلُ الْمُروءةَ ) اهـ .
وقد قيلَ : ( مَنْ أَكْثَرَ مِن شيءٍ عُرِفَ به ) فتَجَنَّبْ هاتِيكَ السقَطَاتِ في مُجالَسَتِكَ ومُحادَثَتِك .وبعضُ مَن يَجْهَلُ يَظُنُّ أنَّ التبَسُّطَ في هذا أَرْيَحِيَّةٌ .
وعن الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قالَ : ( جَنِّبُوا مَجالِسَنَا ذِكْرَ النساءِ والطعامِ ، إني أَبْغَضُ الرجلَ يكونُ وَصَّافًا لفَرْجِه وبَطْنِه ) وفي كتابِ المحدَّثِ الملْهَمِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في القَضاءِ : ( وَمَن تَزَيَّنَ بما ليس فيه ، شانَه اللهُ ) .وانْظُرْ شَرْحَه لابنِ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى .
8- تَحَلَّ بِالْمُرُوءَةِ :
التَّحَلِّيبـ ( الْمُروءةِ ) وما يَحْمِلُ إليها ، من مَكارِمِ الأخلاقِ وطَلاقةِالوَجْهِ ، وإفشاءِ السلامِ وتُحَمُّلِ الناسِ والأَنَفَةِ من غيرِ كِبرياءَوالعِزَّةِ في غيرِ جَبَرُوتٍ والشهامةِ في غيرِ عَصَبِيَّةٍ والْحَمِيَّةِ في غيرِ جَاهليَّةٍ .
وعليه فتَنَكُّبُ ( خَوارِمِ الْمُروءةِ ) في طَبْعٍ أو قولٍ أو عَمَلٍ من حِرفةٍ مَهِينَةٍ أو خَلَّةٍ رَديئةٍ كالعُجْبِ والرياءِ والبَطَرِ والْخُيلاءِ واحتقارِ الآخرينَ وغِشْيَانِمَواطِنِالرِّيَبِ .
9- التمَتُّعُ بخِصَالِ الرجولةِ :
تَمَتَّعْ بِخِصالِ الرجولةِ من الشجاعةِ وشِدَّةِ البَأْسِ في الحقِّ ومَكارِمِ الأخلاقِ والبَذْلِ في سبيلِ المعروفِ حتى تَنْقَطِعَ دونَك آمالُ الرجالِ .
وعليه فاحْذَرْ نَوَاقِضَها : من ضَعْفِ الْجَأْشِ ، وقِلَّةِ الصبْرِ وضَعْفِ الْمَكَارِمِ فإنها تَهْضِمُ العِلْمَ وتَقْطَعُ اللسانَ عن قَوْلَةِالْحَقِّ ، وتَأْخُذُ بناصيَتِه إلى خُصومِه في حالةٍ تَلْفَحُ بسمومِها في وُجوهِ الصالحينَ من عِبادِه .
10-هَجْرُ التَّرَفُّهِ :
لا تَسْتَرْسِلْ في ( التَّنَعُّمِ والرفاهِيَةِ )؛فإنَّ ( البَذاذةَ من الإيمانِ ) وخُذْ بوَصيةِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في كتابِه المشهورِ وفيه : ( وإِيَّاكُم والتنَعُّمَ وزِيَّ العَجَمِ ، وتَمَعْدَدُوا واخْشَوْشِنُوا .... ) .
وعليه فازْوَرَّ عن زَيْفِ الحضارةِ فإنه يُؤَنِّثُ الطِّباعَ ويُرْخِي الأعصابَ ويُقَيِّدُك بِخَيْطِ الأَوْهَامِ ويَصِلُ المُجِدُّونَ لغاياتِهم وأنتَ لم تَبْرَحْ مكَانكَ، مَشْغُولٌ بالتأَنُّقِ في مَلْبَسِكَ وإن كان منها شِيَاتٌ ليست مُحَرَّمَةً ولا مَكروهةً لكن ليست سَمْتًا صالحًا والحِلْيَةُ في الظاهرِ كاللِّباسِ عُنوانٌ على انتماءِ الشخصِ بل تَحديدٌ له ، وهل اللِّباسُ إلا وَسيلةٌ من وسائلِ التعبيرِ عن الذاتِ ؟!
فكُنْ حَذِرًا في لِباسِكَ؛لأنه يُعَبِّرُ لغَيْرِكَ عن تَقْوِيمِك في الانتماءِ والتكوينِ والذوْقِ،ولهذا قِيلَ : الْحِلْيَةُ في الظاهِرِ تَدُلُّ على مَيْلٍ في الباطِنِ والناسُ يُصَنِّفُونَكَ من لِباسِك بلإنَّكيفِيَّةَ اللُّبْسِ تُعْطِي للناظِرِ تَصنيفَ اللابسِ من : الرصانةِوالتعَقُّلِ أو التَّمَشْيُخِ والرَّهْبَنَةِ أو التصابِي وحُبِّ الظهورِ،فخُذْ من اللِّباسِ ما يَزينُك ولا يَشينُك ولا يَجْعَلْ فيكَ مَقالًالقائلٍ ولا لَمْزًا لِلَامِزٍ ، وإذا تلاقَى مَلْبَسُك وكيفيَّةُ لُبْسِك بما يَلتَقِي مع شَرَفِ ما تَحْمِلُه من العِلْمِ الشرعيِّ كان أَدْعَى لتعظيمِك والانتفاعِ بعلْمِك،بل بِحُسْنِ نِيَّتِك يكونُ قُرْبَةً إنه وسيلةٌ إلى هِدايةِ الْخَلْقِ للحَقِّ .وفي المأثورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( أَحَبُّ إليَّ أن أَنْظُرَالقارِئَ أبيضَ الثيابِ ) . أي : ليَعْظُمَ في نفوسِ الناسِ فيَعْظُمَ في نفوسِهم ما لَدَيْهِ من الْحَقِّ .
والناسُ – كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى – كأسرابِ الْقَطَا ، مَجبولون على تَشَبُّهِ بعضِهم ببَعْضٍ .فإيَّاكَ ثم إيَّاكَ من لِباسِ التصابِي،أمَّا اللِّباسُ الإفرنجيُّ فغَيرُ خافٍ عليك حُكْمُه ، وليس معنى هذا أن تأتِيَ بلِباسٍ مُشَوَّهٍ لكنه الاقتصادُ في اللِّباسِ برَسْمِ الشرْعِ ،تَحُفُّه بالسمْتِ الصالحِ والْهَدْيِ الْحَسَنِ .
وتَطْلُبُ دلائلَ ذلك في كتُبِ السنَّةِ والرِّقاقِ ، لا سِيَّمَا في
( الجامعِ ) للخطيبِ
.
ولاتَسْتَنْكِرْ هذه الإشارةَ فما زالَ أهلُ العِلْمِ يُنَبِّهُون على هذا فيكُتُبِ الرِّقاقِ والآدابِ واللِّباسِ ، واللهُ أَعْلَمُ .
رد مع اقتباس