عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 02-20-2015, 04:09 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
Haedphone

المجلس الرابع عشر
5 جمادى الأولى 1436 هـ
ثالثا: توحيد الأسماء والصفات هو أصل، العلوم الدينية:
كما أن العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله أجل العلوم وأشرفها وأعظمها فهو أصلها كلها، فكل علم هو تابع للعلم به، مفتقر في تحقق ذاته إليه، فالعلم به أصل كل علم ومنشؤه، فمن عرف الله عرف ما سواه، ومن جهل ربه فهو لما سواه أجهل، قال تعالى"وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ" الآية 19 من سورة الحشر .فتأمل هذه الآية تجد تحتها معنى شريفًا عظيمًا، وهو: أن من نسي ربه أنساه ذاته ونفسه فلم يعرف حقيقته ولا مصالحه، بل نسي ما به صلاحه وفلاحه في معاشه ومعاده، لأنه خرج عن فطرته التي خلق عليها فنسي ربه فأنساه نفسه وصفاتها وما تكمل به وتزكو به وتسعد به في معاشها ومعادها، قال تعالى"وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً"الآية 28 من سورة الكهف . فغفل عن ذكر ربه فانفرط عليه أمره وقلبه، فلا التفات له إلى مصالحه، وكماله وما تزكو به نفسه وقلبه، بل هو مشتت القلب مضيعه، مفرط الأمر حيران لا يهتدي سبيلاً.
فالعلم بالله أصل كل علم، وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله ومصالح دنياه وآخرته، والجهل به مستلزم للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها وما تزكو به وتفلح به، فالعلم به سعادة العبد والجهل به أصل شقاوته .مفتاح دار السعادة 1/86 .

رابعًا: معرفة أسماء الله وصفاته أصل عظيم في منهج السلف
معرفة أسماء الله وصفاته هي الأساس الذي ينبني عليه عمل العبد، ومن خلالها تتحدد العلاقة التي تربط العبد بربه، وعلى ضوئها يعبد المسلم ربه ويتقرب إليه.
ولذلك كان أصل علم السلف وعملهم هو:
ا- العلم بالله.
2- والعمل لله.
فجمعوا بذلك بين التصديق العلمي والعمل الحبي.

-"فالعلم بوحدانيته تعالى وأنه لا إله إلا هو مطلوب لذاته وإن كان لا يكتفى به وحده، بل لابد معه من عبادته وحده لا شريك له، فهما أمران مطلوبان لأنفسهما. الأمر الأول: أن يعرف الرب تعالى بأسمائه، وصفاته وأفعاله وأحكامه.
والأمر الثاني: أن يعبد بموجبها ومقتضاها.

فكما أن عبادته مطلوبة مرادة لذاتها، فكذلك العلم به ومعرفته أيضا، فإن العلم من أفضل العبادات"-
هنا

ثم إن تصديقهم عن علم، وعملهم وحبهم عن علم، فسلموا بذلك من آفات منحرفة المتكلمة والمتصوفة.
فالكلاميون: غالب نظرهم وقولهم في الثبوت والانتفاء، والوجود والعدم، والقضايا التصديقية، فغايتهم مجرد التصديق والعلم والخبر.
والصوفيون: غالب طلبهم وعملهم في المحبة والبغضة، والإرادة والكراهة، والحركات العملية، فغايتهم المحبة والانقياد والعمل والإرادة.
فإن كلاً من المنحرفين له مفسدتان:
إحداهما: القول بلا علم إن كان متكلمًا.
والعمل بلا علم إن كان متصوفًا.
وهو ما وقع من البدع الكلامية والعملية المخالفة للكتاب والسنة.
والمفسدة الثانية: فوَّت المتكلم العمل.
وفوَّت المتصوف القول والكلام.
أما السلف وأتباعهم فقد حققوا كلا الأمرين.
من القول التصديقي المعتمد على معرفة أسماء الله وصفاته وأفعاله الواردة في الكتاب والسنة.
والعمل الإرادي وذلك باتباع الأوامر واجتناب النواهي وفق ما شرعه الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك كان كلامهم وعملهم باطنًا وظاهرا بعلم، وكان كل واحد من قولهم وعملهم مقرونًا بالآخر وهؤلاء هم المسلمون حقًّا"
مجموع الفتاوى 2/41 بتصرف".
فالسلف وأتباعهم جعلوا من توحيد الأسماء والصفات إحدى الرَّكيزتين التي قام عليها منهجهم المعتمد على نصوص الكتاب والسنة، وذلك لما لهذا التوحيد من أهمية ومنزلة، وهذا ما تشهد له كثرة النصوص الشرعية الواردة في
هذا الشأن.
خامسًا: العلم بأسماء الله وصفاته يفتح للعبد باب معرفة الله:
إن محبة الشيء فرع عن الشعور به، وأعرف الخلق بالله أشدهم حبا له، وكل من عرف الله أحبه، ولا سبيل للحصول على هذه المعرفة إلا من باب العلم بأسماء الله وصفاته، فلا تستقر للعبد قدم في معرفة الله إلا بالتعرف على أسمائه وصفاته الواردة في القرآن والسنة، فالعلم بأسماء الله وصفاته يفتح للعبد هذا الباب العظيم، فالله عز وجل لم يجعل السبيل إلى معرفته من طريق الاطلاع على ذاته، فهذا الباب موصود إلى قيام الساعة، كما أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربة عز وجل حتى يموت"
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن، باب ذكر ابن صياد 8/193..
- فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الناسِ فأثنى على اللهِ بما هو أهلُه . ثم ذكر الدجالَ فقال إني لأُنذرُكموه . ما من نبيٍّ إلا وقد أنذره قومَه . لقد أنذره نوحٌ قومَه . ولكن أقولُ لكم فيه قولًا لم يقلْه نبيٌّ لقومِه . تعلموا أنه أعورُ . وأنَّ اللهَ تبارك وتعالى ليس بأعورَ . قال ابنُ شهابٍ : وأخبرني عمرُ بنُ ثابتٍ الأنصاريُّ ؛ أنه أخبره بعضُ أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؛ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال ، يومَ حذَّر الناسَ من الدجالِ إنه مكتوبٌ بين عينيْه كافرٌ . يقرؤه من كرِه عملَه . أو يقرؤه كلُّ مؤمنٍ . وقال تعلَّموا أنه لن يرى أحدٌ منكم ربَّه عزَّ وجلَّ حتَّى يموتَ" .
الراوي:عبدالله بن عمر- المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 169 -خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

وكذلك فإن من المحال أن تستقل العقول البشرية بمعرفة ذلك وإدراكه على وجه التفصيل، فهي عاجزة عن ذلك لكونه من المغيبات التي لا سبيل إلى معرفتها إلا من طريق الوحي، والله عز وجل يقول: "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً" الآية 85 من سورة الإسراء. فهذه الآية تبين محدودية علم الإنسان.
وقد اقتضت رحمة العزيز الحكيم أن بعث الرسل به معرفين وإليه داعين، وجعل معرفته سبحانه بأسمائه وصفاته، أفعاله هي مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم، فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، والأصل الأول فيها: معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله. ثم يتبع هذا الأصل أصلان عظيمان هما:

ا- تعريف الناس الطريق الموصلة إلى الله، وهي: "شريعته المتضمنة لأمره ونهيه".
2- تعريفهم مآلهم في الآخرة.

وهذان الأصلان تابعان للأصل الأول مبنيان عليه، فأعرف الناس بالله أتبعهم للطريق الموصلة إليه، وأعرفهم بحال الناس عند القدوم عليه.

سادسًا: أساس العلم الصحيح هو الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته:
على أساس العلم الصحيح بالله وبأسمائه وصفاته يقوم الإيمان الصحيح والتوحيد الخالص، وتنبني مطالب الرسالة جميعها، فهذا التوحيد هو أساس الهداية والإيمان وهو أصل الدين الذي يقوم عليه، ولذلك فإنه لا يتصور إيمان صحيح ممن لا يعرف ربه، فهذه المعرفة لازمة لانعقاد أصل الإيمان، وهي مهمة جدا للمؤمن لشدة حاجته إليها لسلامة قلبه وصلاح معتقده واستقامة عمله، فهذه المعرفة لأسماء الله وصفاته وأفعاله توجب للعبد التمييز بين الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك والإقرار والتعطيل، وتنزيه الرب عما لا يليق به ووصفه بما هو أهله من الجلال والإكرام.
وذلك يتم بتدبر كلام الله تعالى وما تعرف به سبحانه إلى عباده على ألسنة رسله من أسمائه وصفاته وأفعاله وما نزه نفسه عنه مما لا ينبغي له ولا يليق به سبحانه.
والجدير ذكره أن معرفة الله نوعان:
النوع الأول: المعرفة الإجمالية.
وهي التي تلزم العبد المؤمن لينعقد بها أصل الإيمان، وهي تتحقق بالقدر الذي يميز العبد به بين ربه وبين سائر الآلهة الباطلة، ويتحقق بها الإيمان

المجمل، وتجعله في سلامة من الكفر والشرك المخرجين من الإيمان، وتخرجه من حد الجهل بربه وما يجب له.
وهذه المعرفة يتحصل عليها من قراءة سورة الإخلاص، وآية الكرسي وغيرها من الآيات ومعرفة معانيها.
ولكن هذه المعرفة لا توجب قوة الإيمان والرسوخ فيه.
النوع الثاني: المعرفة التفصيلية.
وهذه تكون بمعرفة الأدلة التفصيلية الواردة في هذا الباب وتعلمها واعتقاد اتصاف الله بها ومعرفة معانيها والعمل بمقتضياتها وأحكامها.
وهذه المعرفة هي التي يحصل بها زيادة الإيمان ورسوخه، فكلما ازداد العبد علمًا بالله زاد إيمانه وخشيته ومحبته لربه وتعلقه به، قال تعالى"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"
الآية 28 من سورة فاطر.كما تجلب للعبد النور والبصيرة التي تحصنه من الشبهات المضللة والشهوات المحرمة.
"والعلم بالله يراد به في الأصل نوعان:
أحدهما: العلم به نفسه، أي بما هو متصف به من نعوت الجلال والإكرام وما دلت عليه أسماؤه الحسنى.
وهذا العلم إذا رسخ في القلب أوجب خشية الله لا محالة، فإنه لابد أن يعلم أن الله يثيب على طاعته، ويعاقب على معصيته.
والنوع الثاني: يراد بالعلم بالله العلم بالأحكام الشرعية من الأوامر والنواهي، والحلال والحرام.
ولهذا قال بعض السلف: العلماء ثلاثة:
ا- عالم بالله ليس عالمًا بأمر الله.
2- عالم بأمر الله ليس عالمًا بالله.
3- عالم بالله وبأمر الله.
فالعالم بالله: الذي يخشى الله، والعالم بأمر الله: الذي يعرف الحلال والحرام"
مجموع الفتاوى 3/333 بتصرف بسير.


التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 06-25-2017 الساعة 03:35 PM
رد مع اقتباس