الموضوع: دروس من السيرة
عرض مشاركة واحدة
  #56  
قديم 11-01-2018, 12:14 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,643
افتراضي

(55) تابع الطرق التي استخدمتها قريش في التعامل مع النبي وأصحابه

3⃣ قطع قريش للعلاقات الدبلوماسية مع المدينة المنورة

🌱لم ينجح تهديد قريش ولا وعيدها، فقامت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المدينة المنورة، وهددت بمنع أهل المدينة من زيارة البيت الحرام .

🌱روى البخاري رحمه الله قصة ذكر فيها: أن سعد بن معاذ رضي الله عنه سيد الأوس انطلق إلى مكة معتمراً، فنزل على أمية بن خلف -كان صاحبه في الجاهلية- فقال لـأمية : انظر لي ساعة خلوة لعلي أطوف بالبيت، فخرج به أمية بن خلف وذهب سعد ليطوف

🌱فلما طاف سعد بن معاذ بالبيت الحرام قابله أبو جهل ، فقال أبو جهل يخاطب أمية بن خلف ويتجاهل تماماً سعد بن معاذ مع أنه يعرفه: يا أبا صفوان ! من هذا معك؟ فقال: هذا سعد ،وكان أبو جهل يعرف سعداً .

🌱فقال أبو جهل مخاطباً سعداً : ألا أراك تطوف بمكة آمناً، وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم؟ أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً.

💥فهذا تهديد خطير، وكأن أبا جهل قد فقد صوابه وحنكته، وفقد كل حكمته في التعامل مع قبيلة قوية كقبيلة الأوس أو الخزرج

🌱فقال سعد بن معاذ رافعاً صوته يرد عليه بقوة: أما والله لئن منعتني هذا -أي: لئن منعتني من الطواف بالبيت الحرام- لأمنعك مما هو أشد عليك منه، طريقك على أهل المدينة.

💡فهذا موقف جليل من الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه يحتاج منا إلى وقفة
👈فالتذلل والخضوع والخنوع لزعماء الكفر وقادة الضلال وجبابرة الأرض لا يزيدهم إلا كبراً وغطرسة وظلماً وجوراً، أما الوقوف هذه الوقفة الجادة الحاسمة فلا شك أنه يزلزل كيانهم ويهز أعصابهم

💡ونحن نلاحظ أن سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه كان واقعياً جداً في تهديده، يعني: لم يهدده بقتل أو بغزو مكة أو بالقدوم إلى مكة للعمرة رغماً عن أنفه، ولكن هدده بما يملك.

👈هنا سعد بن معاذ لم يفقد مصداقية كلامه، بل كان كلامه في غاية التأثير، فهو رضي الله عنه وأرضاه يعرف مواطن القوة عنده وما بيده ويعرف ما يضعف عدوه ويعرف مصالح مكة، فهذا موقف رجولي يليق بمؤمن.

⁉قد يقول قائل: لماذا رد سعد بن معاذ رضي الله عنه بغلظة هكذا على أبي جهل ؟ بينما رد الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بلطف ولين على عبد الله بن أبي ابن سلول المشرك الخزرجي، مع أنه أيضاً أساء له القول قبل ذلك؟

🌱الجواب: لاختلاف الظرف واختلاف المكان واختلاف الشخص المشرك الذي تم الحوار معه،

🔸فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتحاور مع عبد الله بن أبي ابن سلول زعيم المشركين في يثرب وقبيلته الخزرج، والخزرج لم تقف سداً منيعاً أمام الإسلام كما فعلت قريش، بل على العكس، فإن عدداً كبيراً جداً من الأنصار هم من قبيلة الخزرج

🔸كما أن المشركين من قبيلة الخزرج بما فيهم عبد الله بن أبي بن سلول لم يسمعوا عن الإسلام إلا منذ فترة وجيزة، ولم يختلطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين اختلاطاً كافياً؛ فلذلك الرسول عليه الصلاة والسلام يؤمل كثيراً في إسلامهم، ويعتقد أنهم بطبيعتهم الرقيقة المشهورة عن أهل المدينة سيميلون إلى الإسلام عاجلاً أو آجلاً؛

👈لذلك هو لا يريد تصعيد الموقف مع قبيلة الخزرج، بل يريد امتلاك القلوب وإقناع العقول، وهذا كله يتطلب رفقاً في التعامل وليناً في الكلام.

🌱أما موقف سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه مختلف تماماً

🔸فهو موقف مع واحد من أكابر مجرمي قريش، بل مع أعتى عتاتها وأفجر فجارها، موقف مع فرعون هذه الأمة
👈وبث الرعب في قلبه أمر مطلوب، وإشعاره بالقلق والاضطراب واجب شرعي، وإثارة خوفه على ماله وسلطانه عمل إستراتيجي للمسلمين.

🔸وتاريخ أبي جهل يشير إلى أنه لن يؤمن، خاصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليه قبل ذلك وقال: (اللهم عليك بـأبي جهل)؛ لذلك فإن سعد بن معاذ لا يؤمل في إسلام أبي جهل لا من قريب ولا من بعيد، فكان قراره حاسماً في ذلك، وهو الوقوف بصلابة في وجه أبي جهل لتسجيل نقطة لصالح المسلمين.

🔸وهذه الوقفة لن تخيف أبا جهل على ماله فقط، بل تخيفه أيضاً من الأنصار رضي الله عنهم، فإنه سيعلم أن الأنصار الذين وعدوا بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم وافون بوعدهم، وحريصون على عهودهم ومواثيقهم، وجاهزون تماماً للتضحية بعلاقاتهم وأموالهم، بل وأرواحهم في سبيل الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

🌱ومن هنا كان الاختلاف بين الموقفين: موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أبي ابن سلول ، وموقف سعد بن معاذ مع أبي جهل ، وكلاهما صحيح، وكلاهما حكيم، لكن اعرف الظرف تدرك الحكمة، وانظر في خلفيات وملابسات الحدث تخرج بدروس وعظات لا تقدر بثمن.

〰🌸🍃〰🌸🍃〰


🌷همسات الأوابين🌷
رد مع اقتباس