عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 01-07-2021, 04:14 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
مشرفة قسم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 2,648
افتراضي

القاعدة السابعة والعشرون
المحترزات في القرآن تقع في كل المواضع في أشد الحاجة إليها:
وهذه القاعدة جليلة النفع، وعظيمة الوقع.
وذلك أن كل موضع يسوق الله فيه حكماً من الأحكام أو خبراً من الأخبار فيتشوف الذهن فيه إلى شيء آخر، إلا وجدت الله قرَن به ذلك الأمر الذي يعلق في الأذهان، فيبينه أحسن بيان. وهذا أعلى أنواع التعليم، الذي لا يبقي إشكالاً إلا أزاله، ولا احتمالاً إلا أوضحه. وهذا يدل على سعة علم الله وحكمته. وذلك في القرآن كثير جداً.
ولنذكر بعض أمثلة توضح هذه القاعدة، وتحسن للداخل الدخول إليها.
فمن ذلك قوله تعالى:*{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا}*[النمل: 91] لمَّا خصها بالذكر ربما وقع في بعض الأذهان تخصيص ربوبيته بها أزال هذا الوهم بقوله:*{وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ}*[النمل: 91].
ومنها قوله تعالى:*{فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ}*[هود: 109] لمَّا كان قد يقع في الذهن أنهم على حجة وبرهان فأبان بقوله:*{مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ}*[هود: 109] أنهم ضُلَّال اقتدوا بمثلهم، ثم لما كان قد يتوهم المتوهم أنهم في طمأنينة من قولهم، وعلى يقين من مذهبهم، وربما يتوهم أيضاً أن الأليق ألا يبسط لهم الدنيا احترز من ذلك بقوله:*{وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَأنهم لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)}*[هود: 109- 110].
ولما قال تعالى:*{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}*[النساء: 95] ربما يظن الظان أنهم لا يستوون مع المجاهدين ولو كان القاعدون معذورين. أزال هذا الوهم بقوله:*{غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}*[النساء: 95].
وكذلك لما قال:*{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}*[الحديد: 10] ربما توهم أحد أن المفضولين ليس لهم عند الله مقام ولا مرتبة، فأزال هذا الوهم بقوله:*{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}*[الحديد: 10] ثم لما كان ربما يتوهم أن هذا الأجر يُستحق بمجرد هذا العمل المذكور، ولو خلا من الإخلاص، أزال هذا الوهم بقوله:*{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}*[الحديد: 10].
ومنها: قوله تعالى:*{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}*[النمل: 48] ربما وقع في الذهن أنهم يفسدون وقد يصلحون، فأزال هذا الوهم بقوله:*{وَلا يُصْلِحُونَ}*[النمل: 48] أي: لا خير فيهم أصلاً مع شرهم العظيم.
ومنها: أنه قال في عدة مواضع:*{وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ}*فربما توهم أحد أنهم وإن لم يسمعوا فإنهم يفهمون الإشارة. فأزال هذا الاحتمال بقوله:*{إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}*[النمل: 80] فهذه الحالة لا تقبل سماعاً ولا رؤية لتحصل الإشارة، وهذا نهاية الإعراض.
ومنها قوله:*{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}*ربما توهم أحد أن هدايته تأتي جزافاً من غير سبب. فأزال هذا بقوله:*{وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}*[القصص: 56] أي: بمن يصلح للهداية لزكاته وخيره ممن ليس كذلك، فأبان أن هدايته تابعة لحكمته التي هي وضع الأشياء مواضعها. ومن كان حسن الفهم رأى من هذا النوع شيئاً كثيراً.

يتبع.
🔁🔁🔁🔁🔁🔁🔁
رد مع اقتباس