عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 12-06-2016, 02:05 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,016

المجلس التاسع

الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه .
لا عيش إلا عيش الآخرة
إننا نعيش في هذه الدنيا إلى أجَلٍ معدودٍ، وإن الدنيا بأكملِها بزينتِها وزُخرفِهَا، لا‌ تساوي عند اللهِ جَناحَ بعوضةٍ، وهي أيضًا مطبوعةٌ على النقصِ، فلا‌ تمام لشيء فيها أبدًا، فلا‌ سعادة تدوم لصاحبِها، ولا‌ غنى يدوم لصاحبه، ومهما ذاق العبدُ فيها حلا‌وةً، فإنها زائلةٌ من بين يديهِ، أو هو سيزول عنها، إلا‌ حلا‌وة الطاعة والإ‌يمان؛ فهي الباقية إلى يوم الدين، وهي التي تنفعه يوم لا‌ ينفعُ مالٌ ولا‌ بنون إلا‌ مَن أتى الله بقلبٍ سليم."يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ "الشعراء88 - 89 .
ونحن لو نعلم ذلك يقينًا، لَما تسارعنا وتسابقنا في جمعِها، بل وتفاخرنا وتحاقَدنا وتحاسدنا؛ قال الله - تعالى -" وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا "الكهف: 45.

يقول تعالى "
وَاضْرِبْ" يا محمد للناس "مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" في زوالها وفنائها وانقضائها " كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ " أي : ما فيها من الحب ، فشب وحسن ، وعلاه الزهر والنور والنضرة ثم بعد هذا كله "فَأَصْبَحَ هَشِيمًا" يابسًا " تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ" أي : تفرقه وتطرحه ذات اليمين وذات الشمال "وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا" أي : هو قادر على هذه الحال .تفسير ابن كثير .
هل من عاقلٍ يجعل همَّه أن يجمع الهشيم في يديه والرياح على أشدها، فلا‌ الهشيم له قيمة ولا‌ هو سيبقى له؟!

لحظة، لنتذكَّر ما هو أهم، إنها ليست فقط ستزول فلا‌ يبقى أثر، كلاَّ‌، بل إنها مسجلة في كتابِنا عندَ اللهِ؛ " وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ "القمر: 53.
فكل ما نتفانى في الحرص عليه والا‌ستزادة منه من متاعِها الوضيعِ، سنُسأل عنه كله، أفلا‌ يَجدر بنا أن نَحمل همَّ هذه اللحظة؟! أفلا يَحِق أن نُخفف ما استطعنا من هذه الأ‌حمال، أن نُخفف على أنفسنا طول الحسابِ وشِدَّتِهِ، أن نُنقيَ بالنا المشغول بها والملهوف عليها، ونَملأَ‌ه بما يُقربنا للجنةِ؟!

- لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ ، وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ.الراوي : أبو برزة الأسلمي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2417 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية .

إن ما نراه في حياتنا اليومية ورغبة كلِّ أحدٍ أن يكونَ أفضلَ من غيرِهِ، وأجملَ، وما عنده أكثرَ، ليس في الأ‌عمال الصالحة وفي التقوى، ولكن في اللباس والأ‌غراض والمكانة وبكلمة شاملة "الدنيا".

هل هذا هو حال مَن أيقن بحقارة الدنيا، ومِن ثَمَّ زوالها؟ أم هو حال من أيقن بأنه سيحاسب على كل خُطوة ونظرة، وأكلة وشربة؟! أو هو حال من أيقن بأن ما عند الله خيرٌ وأبقى؟!
لا‌ يغرنَّكم تسابُق المتسابقين عليها؛ فهي بحْرٌ سالكه في غفلة وأعماقه الهلا‌ك والضيعة، واطلبوا ما عند الله، واعملوا له في الدنيا؛ فهي ساحة البذل والعناء، ودَعُوا عنكم الكدَّ في جمْعها؛ فذلك الخِذلا‌ن والخسران، والله أعلم.

«إنَّكَ لن تدَعَ شيئًا اتِّقاءَ اللَّهِ، جَلَّ وعَزَّ، إلَّا أعطاكَ اللَّهُ خيرًا منهُ »
قد رُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال"مَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْه".
وهذا الحديث ضعيف لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، وإن كان مشهورًا عند كثير من الناس، وقد ثبت بِلَفْظٍ آخر.

«إنَّكَ لن تدَعَ شيئًا اتِّقاءَ اللَّهِ، جَلَّ وعَزَّ، إلَّا أعطاكَ اللَّهُ خيرًا منهُ »
الراوي: رجل من أهل البادية-المحدث: الوادعي - المصدر: الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 1523-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

وهذا الحديث العظيم قد اشتمل على ثلاث جُمَل.
الأولى قوله: ن تدع شيئًا))، وهذا لفظ عام يشمل كل شيء يتركه الإنسان؛ ابتغاءَ وجه الله تعالى.
الثانية: قوله: "اتقاء الله - عزَّ وجلَّ -"، هذه الجملة بَيَّن فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الترك لابد أن يكون ابتغاءَ مرضاةِ اللهِ لا خوفًا من سُلْطان، أو حَيَاءً من إنسانٍ، أو عدم القدرةِ على التمكنِ منه، أو غير ذلك.
الثالثة: قوله - صلى الله عليه وسلم "
إلَّا أعطاكَ اللَّهُ خيرًا منهُ "، وهذه الجملة فيها بيانٌ للجزاء الذي ينالُه من قام بذلك الشرط، وهو تعويض الله للتارك خيرًا وأفضل مما ترك، والعِوض من الله قد يكون من جنس المتروك، أو من غير جنسه، ومنه الأُنس بالله - عز وجل - ومحبته وطُمأنينة القلب وانشراح الصدر، ويكون في الدنيا والآخرة؛ كما عَلَّم اللهُ المؤمِنَ أن يدعو"رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً"البقرة: 201.
قال قتادة السدوسي: لا يقدر رجلٌ على حرام ثم يدعه، ليس به إلا مخافة الله - عز وجل -، إلا أَبْدَلَهُ في عاجل الدنيا قبل الآخرة.
وفي حديث أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم - فيما يَرْوِيه عن ربه قال"يقول الله: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَة، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوا لَهُ حَسَنَة، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سُبْعُمَائَة".

الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 7501 - خلاصة حكم المحدث : صحيح . الدرر السنية .

والأمثلة التي تُبيِّن عظيم خلف الله تعالى لعباده كثيرة جدًا، منها:
ما قصه اللهُ تعالى عن نبي الله سليمان - عليه السلام - في سورة "ص"، وخلاصته: أنه كان محبًّا للجهاد في سبيل الله، ولذلك كانت عنده خيلٌ كثيرةٌ وكان يحبُّها حبًّا شديدًا، فاشتغل بها يومًا حتى فاتته صلاةَ العصرِ، فغربت الشمسُ قبلَ أن يصلي، فأمر بها فرُدَّتْ عليه، فضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف؛ إيثارًا لمحبة الله - عز وجل -، وقد كان ذلك جائزًا في شريعتهم.
فأعطاهُ اللهُ - عز وجل - خيرًا منها الريحَ التي تجري بأمره رخاءً حيث أصاب، تقطع في النهار ما يقطعه غيرها في شَهْرَيْن.

وإليك الآيات فتدبر. قال تعالى"
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ * وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ"ص: 30: 36.

وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ( 37 ) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ( 38 ) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 39 ) ) ص
لما أثنى تعالى على داود، وذكر ما جرى له ومنه، أثنى على ابنه سليمان عليهما السلام فقال" وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ " أي: أنعمنا به عليه، وأقررنا به عينه.
" نِعْمَ الْعَبْدُ " سليمان عليه السلام، فإنه اتصف بما يوجب المدح، وهو " إِنَّهُ أَوَّابٌ" أي: رجَّاع إلى اللّه في جميع أحواله، بالتأله والإنابة، والمحبة والذكر والدعاء والتضرع، والاجتهاد في مرضاة اللّه، وتقديمها على كل شيء.
ولهذا، لما عُرضت عليه الخيل الجياد السبق الصافنات أي: التي من وصفها الصفون، وهو رفع إحدى قوائمها عند الوقوف، وكان لها منظر رائق، وجمال معجب، خصوصا للمحتاج إليها كالملوك، فما زالت تعرض عليه حتى غابت الشمس في الحجاب، فألهته عن صلاة المساء وذكره.
فقال ندما على ما مضى منه، وتقربا إلى اللّه بما ألهاه عن ذكره، وتقديما لحب اللّه على حب غيره"
إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ " وضمن {
أَحْبَبْتُ} معنى {آثرت } أي: آثرت حب الخير، الذي هو المال عموما، وفي هذا الموضع المراد الخيل " عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " ص 713
{ رُدُّوهَا عَلَيَّ } فردوها { فَطَفِقَ } فيها { مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ } أي: جعل يعقرها بسيفه، في سوقها وأعناقها.
{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } أي: ابتليناه واختبرناه بذهاب ملكه وانفصاله عنه بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية،

" وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا " أي: شيطانا قضى اللّه وقدر أن يجلس على كرسي ملكه، ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان، " ثُمَّ أَنَابَ " سليمان إلى اللّه تعالى وتاب.
فـ " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ " فاستجاب اللّه له وغفر له، ورد عليه ملكه، وزاده ملكا لم يحصل لأحد من بعده،

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) لَيِّنَةً لَيْسَتْ بِعَاصِفَةٍ ، ( حَيْثُ أَصَابَ ) حَيْثُ أَرَادَ .هنا

"وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ( 37 ) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ( 38 ) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 39 ) ) ص
و تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدر والحلي، ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد وأوثقه.

وقلنا له" هَذَا عَطَاؤُنَا " فَقَرَّ به عينا { فَامْنُنْ } على من شئت، { أَوْ أَمْسِكْ } من شئت { بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي: لا حرج عليك في ذلك ولا حساب، لعلمه تعالى بكمال عدله، وحسن أحكامه، ولا تحسبن هذا لسليمان في الدنيا دون الآخرة، بل له في الآخرة خير عظيم.
ولهذا قال: { وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ } أي: هو من المقربين عند اللّه المكرمين بأنواع الكرامات للّه.
تفسير السعدي .


المثال الثاني: النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لما هاجروا تركوا ديارهم، وأموالهم لله تعالى، فعوَّضهم الله بأن جعلهم قادة الدنيا، وحُكَّام الأرض وفتح عليهم خزائن كِسْرَى وقيصر، ومَكَّنهم من رقاب الملوك والجبابرة، هذا مع ما يرجى لهم من نعيم الآخرة، فشكروا، ولم يكفروا، وتواضعوا ولم يتكبروا، وحكموا بالعدل بين الناس، قال تعالى"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"النور: 55.
وتأمل قصة أحد هؤلاءِ المهاجرين، وهو صُهَيْب الرومي - رضي الله عنه -، فعن عِكْرِمة قال:
- لمَّا خرجَ صهَيبٌ مهاجرًا تبِعَه أهلُ مكَّةَ ، فنَثَلَ كِنانتَهُ ، فأخرجَ مِنها أربعينَ سهمًا فقال : لا تصِلونَ إليَّ حتَّى أضعَ في كلِّ رجلٍ منكُم سهمًا ثمَّ أصيرَ بعدَه إلى السَّيفِ فتعلَمونَ أنِّي رجلٌ وقد خلَّفتُ بمكَّةَ قَينتَينِ فهُما لكُم قال : وحدَّثنا حمَّادُ بنُ سَلمةَ عن ثابتٍ عن أنسٍ نحوَه ونزلَت علَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّمَ : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ الآيةُ . فلمَّا رآهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّمَ قال " أبا يحيَى رَبِحَ البَيعُ "، قال : وتلا عليهِ الآيةَ .
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الوادعي- المصدر : صحيح أسباب النزول-الصفحة أو الرقم: 40 - خلاصة حكم المحدث : له طرق أخر أغلبها مراسيل وهي بمجموعها تزيد الحديث قوة وتدل على ثبوته - الدرر السنية .
الشرح

تبع صهَيب نفر من المشركين فسئل فقال يا معشر قريش إني من أرماكم ولا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم معي ثم أضربكم بسيفي فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه فرضوا فعاهدهم ودلهم فرجعوا فأخذوا ماله فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالله ربح البيع فأنزل الله عز وجل
"‏
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ‏"

المثال الثالث: نبي الله يوسف - عليه الصلاة والسلام - عُرِضَتْ عليه المغريات في أرقى صورها، فاستعصم فعصمه الله، وترك ذلك لله - عز وجل -؛ لأنَّ الله جعله من المخلصين، وأُوذِيَ بسبب ذلك؛ فاختار السجن على ما يدعونه إليه، فصبر واختار ما عند الله فعوضه الله تعالى أحسن العوض، فملَّكه على خزائن الأرض، وعلمه تأويل الرؤيا، فنعم المُعْطِي، ونعم المُعْطَى، ونعمت العَطِيَّة.

قال تعالى"قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"يوسف: 33: 34.


وقال تعالى"وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"يوسف: 56.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول بتصرف

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 12-27-2016 الساعة 11:42 PM
رد مع اقتباس