عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-24-2015, 02:49 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,023
الإشارة الرابعة:
فإذا عرفت ما تقدم؛ كان حقّ كل تكبيرة منك أن تقع من القلب موقعها، فكأن قلبك هو المقصود بتلك التكبيرة، ليستخلص منها ما تقدّم معرفته، لتستثمر فيه أنواعـًا من العبودية والتعلّق بالله الكبير سبحانه، فالله أكبر، كلمة مداد حروفها نور به تنكشف من النفس عيوب وآفات، ليحصل بها تيقّظ وإيلام؛ تيقّظ لما يجد العبد من نفسه لَمَّا نادى عليها بالتكبير، فرأى منها توانيـًا دون تحصيل عبوديته، وفتورًا لا يسلم معه سير ولا ارتحال، وعيوبـًا تقطع عليه سعيه وتسلب منه كسبه، وجد آفات
وأدواء عادت بسببها النفس مريضة عليلة، فلما وجد العبد ذلك تألم، وألمه دليل حياة قلبه، فالله أكـبر بها التـيقـظ فالإيلام.
ثم الله أكبر مرة أخرى لينكشف بنورها خفاء آخر، ما كان للعبد أن يلحظه بدونها، لينكشف عور آخر من نفسه، ليتيقن معه تشخيص الداء، ويتبين فيه محـل الاتهام، ألا تسمع حروفهـا وقد رجع إليك صداها حاكيـًا، كاشفـًا عن نفسك ما فيها، ما حال بينها وبين ما يرقِّيهـا ويزكيهـا، فإذا بها هي الجانية، هي موضع الاتهام، (فالله أكبر) يتيقن بها الاتهام، كيف؟!
فالمتهَـم بين جنبيك لم يخرج عن ذلك، فالمتهم الذي أتى بكل أسباب البلاء إنما هو نفسك، نفسك هي ذلك الشخص المتهم، فالتكبيرة الأولى بانت بها العيوب فحصل منها الإيلام، والتكبيرة الثانية انكشفت الجناية وتبين الاتهام.فحق تلك الأيام أن تكوني يا نفس فيها منقطعةً لله عن كل ما سواه، حق تلك الأعمال إصلاح به تجبرين العيوب، وتزكية بها تنالين الترقي، لكن بالتكبير تنكشف، وبذكر الله تُفضَحين.أين الإصلاح؟ أين التعبد والتعلق بالله؟ أين مفارقة العيوب؟أين هجران الذنوب؟ أين تغير العادات؟ أين مخالفة المألوفات؟
كل ذلك لم يكن، بل ما زال منك ما كان.
ثم تكبيرة ثالثة، الله أكبر، تستحدث في القلب قوة وعزمـًا على حكم النفس، على إلزامها بما عاهدت عليه من قبل ربها، بما فيه نجاتها، فالله أكبرعهد وإلزام، الله أكبر يقضي بها على عيوبه فتذهب، الله أكبر يرمي بها على آفاته فتدك.
فتكبيراته الثلاث تنبيه وإيلام، فافتضاح واتهام، فعهد وإلزام.
فحق ذلك بعدها أن يتهيأ قلبه لكلمة الحق، وشهادة الصدق لا إله إلا الله، ليعلن العبد بقلبه أن مدار كل ذلك على كلمة الإخلاص، على كلمة النجاة، على الكلمة التي أنزل الله -عز وجل- كتبـًا، وأرسل رسلاً ليدعوَ الناس أجمعهم إليها.وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وهو في مسير له يقول الله أكبر الله أكبر. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم :"على الفطرة". فقال :
أشهد أن لا إله إلا الله. قال: " خرج من النار" . فاستبق القوم إلى الرجل فإذا راعي غنم حضرته الصلاة فقام يؤذن .
رواه ابن خزيمة في صحيحه وهو في مسلم بنحوه.
وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / حديث رقم :245


(لا إله إلا الله)؛ تلك الكلمة التي بها نجاة الآخرة وتمكين الدنيا.
(لا إله) نفيٌ عن كل شيء، لِتَسْلُب بذاك النفي كل شيء ادّعاءه، تسلب كل هذه الأسباب، تسلب كل مدعٍ ما ادعاه، لا إله على الإطلاق،نفيٌ وسلب تامّ، لم يعد يصح لأحد أي ادعاء، لا برهان ولا تصديق.
(لا إله)، فلا تجد في قلبك توكلاً على أحد، ولا استعانةً بأحد، ولا رجاء في أحد، ولا خوفاً من أحد، كل ذلك يُنفى بمقتضى قولك:
(لا إله)، ثم ترد ذلك كله لتثبته في شيء واحد، لا ترى حقـًا لأحد سواه.(إلا الله)سبحانه وتعالى، (لا إله) سلبٌ ونفيٌ تام، (إلا الله) إثباتٌ مطلق تام، على قدر ما نفَيْتَ عن كل مدعٍ من الخلق شيئـًا تتوكل به عليه، تستعين بِهِ، تخاف بسببه منه، ترجوه لأمرٍ فيه، على قدر ما تنفيه عنه، على قدر ما تثبته للواحد القهار، تجعل ذلك كله في الله وبالله ولله وعلى الله ومن الله.(فلا إله إلا الله)لا تتوكلوا إلا عليه، ولا تخافوا إلا منه، ولا ترجواإلا إياه، ولا تستعينوا إلا به، ولا تحبوا إلا فيه، ولا تبغضوا إلا له،
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162- 163].

(لا إله إلا الله والله أكبر) ثم تكبيرة رابعة، تكبيرة تَجْبُرُ نقْص ما حقّه أن يكون في قلبك من التوحيد بعد شهادة الحق وكلمة الإخلاص، علمـًا وعملاً، فإن دافع علمك بالله شبهة؛ فالله أكبر.
وإن عارض عملك شهوة فالله أكبر؛ فأنت تدفع بتكبيرك
الشبهات، وترد عن نفسك الشهوات، فالله أكبر من
كل ذلك، فالله أكبر من قوادحِ توحيدك، فالله أكبر من
آفات ونقائص عبوديتك، فينجبر من القلب ذلك ويلتئم جرحه، فالله أكبر جبر والتئام.
(الله أكبر ولله الحمد) تكبيرة خامسةً تثبت ذلك وتوثقه، تستشعرفيها وكأنك صرت الآن في حصْن حصين، في قلعةٍ متينة ربها الله، صرت الآن في حصنه، في حرزه، في حراسته، في معيته، في حزبه، في نصرته، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: 36]، فأنت
حققت بذلك عبوديةً كريمة، صرت بها في حسب الله تعالى.
(الله أكبر) تكبيرةٌ خامسة حقّها أن تجد في قلبك بعدها أمنـًا وسلامـًا،قد صرتَ في حفظ الله الكريم، في حفظ الله الحفيظ، في حفظ الله المتين،فأيّ شبهةٍ تعتريك بعد ذلك!! وأي شهوةٍ تُغريك بعد ذلك، فأنت الذي تولاك الله، حق تلك التكبيرات بعدها أن تجد ذلك الأمن والسلام، فيأتي الحمد بعد ذلك في موقعه.
(الله أكبر ولله الحمد) لا لغيره، فالحمد كله لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة الإيمان، والحمد لله على تعليمه القرآن،والحمد لله على وحيه لسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وترى الحمد إثباتا لنعمة الله عليك، الذي وهبك ذلك كله،لا لسببٍ فيك ولا لقوةٍ بك ولا لحولٍ لك، بل لا حول ولا قوة إلا بالله، فقد أعطاك بغير سبب ووهبك بغير سؤال، فإن كبَّرت فقد ابتدأك بتشريع التكبير، وإن حَمَدت فقد ابتدأك بقبول ذلك منك،
فهو الأول فمنه كل شيء، وهو الآخر فإليه كل شيء،
فالله عز وجل منه كل خير وإليه، فكل خير تجده فحق ذلك
أن تجد قلبك يصرخ بأن الحمد لله لا لغيره (فالله أكبر ولله الحمد).
فالله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
رد مع اقتباس