المجلس الحادي عشر
6 جمادالأول 1437 هـ
بَاب الْعَمَلِ الَّذِي يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ فِيهِ سَعْدٌ
قال الإمام البخاري رحمه الله
6059 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ قَالَ سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ قَالَ غَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:- لَنْ يُوَافِيَ عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ.
الشرح
9612 قَوْلُهُ بَابُ الْعَمَلِ الَّذِي يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ - تَعَالَى - ) ثَبَتَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلْجَمِيعِ وَسَقَطَتْ مِنْ شَرْحِ ابْنِ بَطَّالٍ فَأَضَافَ حَدِيثَهَا عَنْ عِتْبَانَ الَّذِي قَبْلَهُ ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ لِتَرْجَمَةِ مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَالَ خَشِيَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ مَنْ بَلَغَ السِّتِّينَ وَهُوَ مُوَاظِبٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَنْ يَنْفُذَ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ فَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ تَنْفَعُ قَائِلَهَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا لَا تَخُصُّ أَهْلَ عُمُرٍ دُونَ عُمُرٍ وَلَا أَهْلَ عَمَلٍ دُونَ عَمَلٍ ، قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي ثَبَتَ النَّقْلُ فِيهِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مَعَهُ وَهُوَ الْوُصُولُ إِلَى الْغَرْغَرَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ فَقَالَ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْذَارَ لَا تَقْطَعُ التَّوْبَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَقْطَعُ الْحُجَّةَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لِلْعَبْدِ بِفَضْلِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالرَّجَاءُ بَاقٍ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عِتْبَانَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ . قُلْتُ وَعَلَى مَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ فَهَذِهِ مُنَاسَبَةُ تَعْقِيبِ الْبَابِ الْمَاضِي بِهَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ فِيهِ سَعْدٌ كَذَا لِلْجَمِيعِ وَسَقَطَ لِلنَّسَفِيِّ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَسَعْدٌ فِيمَا يَظْهَرُ لِي هُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَحَدِيثُهُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي وَغَيْرِهَا مِنْ رِوَايَةِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قِصَّةِ الْوَصِيَّةِ وَفِيهِ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ وَفِيهِ قَوْلُهُ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي ؟ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا اللَّفْظُ فِي كِتَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ .
9613 قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ هُوَ الْمَرْوَزِيُّ ، وَشَيْخُهُ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ .قَوْلُهُ غَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَنْ يُوَافِيَ هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مُعَقَّبًا بِالْغُدُوِّ بَلْ بَيْنَهُمَا أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ دُخُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْزِلَهُ وَصَلَاتِهِ فِيهِ وَسُؤَالِهِمْ أَنْ يَتَأَخَّرَ عِنْدَهُمْ حَتَّى يُطْعِمُوهُ وَسُؤَالِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الدَّخْشَمِ وَكَلَامِ مَنْ وَقَعَ فِي حَقِّهِ وَالْمُرَاجَعَةِ فِي ذَلِكَ وَفِي آخِرِهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي " بَابِ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ " فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَأَوْرَدَهُ أَيْضًا مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَأَخْرَجَ مِنْهُ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ فِي " بَابِ إِذَا زَارَ قَوْمًا فَصَلَّى عِنْدَهُمْ " عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَسَدٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْمَتْنِ طَرَفًا غَيْرَ الْمَذْكُورِ هُنَا وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ " حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ " وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ " حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ " قَالَ الْكَرْمَانِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لِوُجُودِ التَّلَازُمِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ هُوَ الْحَقِيقَةُ لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا يُلْقَى فِيهَا وَالتَّحْرِيمُ يُنَاسِبُ الْفَاعِلَ فَيَكُونُ اللَّفْظُ الثَّانِي مَجَازًا
شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله
6- باب العمل الذي يُبتغى به وجه الله. فيه سعد.
قوله: ( فيه سعد ) يشير إلى حديث سعد بن أبي وقاص الطويل المشهور أنه مرض في مكة وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقال يا رسول الله: إنني ذو مال كثير ولا يرثني إلا ابنة لي ( أي لا يرثه من الأولاد إلا بنت ) أفتصدق بثلثي مالي ؟ ( أي اثنتين من ثلاثة ) قال: لا. قال: فالشطر ؟ قال: لا. قال: فالثلث ؟ قال: الثلث والثلث كثير ، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، ثم قال: يا رسول الله ، أخلِّف بعد أصحابي ( أي أموت في مكة وأنا مهاجر منها ) فقال صلى الله عليه وسلم: إنك لن تخلَّف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة ، ولعلك أن تخلَّف حتى ينتفع بك أقوام ويُضرُ بك أقوام آخرون.
وقوله: ( تخلَّف ) أي تبقى في الدنيا ، وتعمر حتى ينتفع بك أقوام ، ويُضر بك آخرون ، فكان الأمر كما توقع عليه الصلاة والسلام تخلف سعد وعُمِّر وحصل على يديه فتوحات كثيرة في فارس رضي الله عنه ومات عن سبعة عشر ابناً واثنتي عشرة امرأة (أي بنتاً ) وكان في ذلك الوقت ليس عنده إلا بنت واحدة ، وعمِّر ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك ).
لهذا الشاهد قوله: ( العمل الذي تبتغي به وجه الله ).
ثم قال: ( فيه سعد ) أي حديث سعد ، وفي هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان إخلاص النية وأن يستحضر دائماً أنه يريد بعمله وجه الله ، والناس
ينقسمون في هذا الباب ثلاثة أقسام:
1-قسم غفلوا عن النية فصارت عباداتهم عادات.
2-قسم تذكر فصارت عاداتهم عبادات.
3- قسم بين هؤلاء وهؤلاء فصارت عباداتهم عبادات ، وعاداتهم عادات.
والكمَّل هم الذين تذكروا حتى صارت عاداتهم عبادات.
وكيف تكون عاداتهم عبادات ؟ الأكل والشرب والنوم والنكاح كل هذا عادات ، فإذا نوى الإنسان به التقرب إلى الله صار عبادة وانتفع به ، صار إن أكله غداءه وعشاءه سمى الله عند الأكل وحمد الله عند انتهائه ، وكذا في الشرب ، وكذا إذا نوى بأكله التقوى على طاعة الله ونوى التنعم بكرم الله عز وجل وجوده وفضله صار طعامه وأكله له عبادة.
أما القسم الثاني: فإنه يأتي ويصلي على العادة ، ولا يستحضر أنه إذا جاء المسجد يعبد الله ويقف بين يديه ويناجيه بكلامه وبدعائه ، فيكون عند هذا غفلة كبيرة ، وتنقلب عباداته عادات.أما الوسط: فهم العبادة للعبادة ، والعادة للعادة ، فهؤلاء لا شك أنهم أتوا بالواجب وقاموا به ، لكن الأولون هم الكمَّل.