*الشرح من صحيح مسلم*
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَقَالَ لِقَوْمِهِ : لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا ، وَلَمَّا يَبْنِ ، وَلَا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا وَلَمَّا يَرْفَعْ سَقْفَهَا ، وَلَا آخَرُ قَدِ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ وِلَادَهَا أَمَّا ( الْبُضْعُ ) فَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ ، وَهُوَ فَرْجُ الْمَرْأَةِ . وَأَمَّا ( الْخَلِفَاتُ ) فَبِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهِيَ الْحَوَامِلُ .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُهِمَّةِ يَنْبَغِي أَلَا تُفَوَّضَ إِلَّا إِلَى أُولِي الْحَزْمِ وَفَرَاغِ الْبَالِ لَهَا ، وَلَا تُفَوَّضُ إِلَى مُتَعَلِّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِهَا ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُ عَزْمَهُ ، وَيُفَوِّتُ كَمَالَ بَذْلِ وُسْعِهِ فِيهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَغَزَا فَأَدْنَى لِلْقَرْيَةِ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ( فَأَدْنَى ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ ، قَالَ الْقَاضِي : كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ( فَأَدْنَى ) رُبَاعِيٌّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْدِيَةً لِدَنَا . أَيْ قَرُبَ فَمَعْنَاهُ : أَدْنَى جُيُوشَهُ وَجُمُوعَهُ لِلْقَرْيَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ( أَدْنَى ) بِمَعْنَى حَانَ أَيْ قَرُبَ فَتْحُهَا ، مِنْ قَوْلِهِمْ : أَدْنَتِ النَّاقَةُ إِذَا حَانَ نِتَاجُهَا ، وَلَمْ يَقُولُوهُ فِي غَيْرِ النَّاقَةِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقَالَ لِلشَّمْسِ : أَنْتِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ ، وَاللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ الْقَرْيَةَ قَالَ الْقَاضِي : اخْتُلِفَ فِي حَبْسِ الشَّمْسِ الْمَذْكُورِ هُنَا ، فَقِيلَ : رُدَّتْ عَلَى أَدْرَاجِهَا ، وَقِيلَ : وُقِفَتْ وَلَمْ تُرَدَّ ، وَقِيلَ : أُبْطِئَ بِحَرَكَتِهَا ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ .
قَالَ : وَيُقَالُ : إِنَّ الَّذِي حُبِسَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ قَالَ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبِسَتْ لَهُ الشَّمْسُ مَرَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حِينَ شُغِلُوا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتْ فَرَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ ، ذَكَرَ ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ ، وَقَالَ : رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ .
وَالثَّانِيَةُ [ ص: 410 ] : صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ حِينَ انْتَظَرَ الْعِيرَ الَّتِي أَخْبَرَ بِوُصُولِهَا مَعَ شُرُوقِ الشَّمْسِ ، ذَكَرَهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي زِيَادَتِهِ عَلَى سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا فَأَقْبَلَتِ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ ، فَقَالَ : فِيكُمْ غُلُولٌ هَذِهِ كَانَتْ عَادَةَ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - فِي الْغَنَائِمِ أَنْ يَجْمَعُوهَا فَتَجِيءَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلَهَا ، فَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِقَبُولِهَا ، وَعَدَمِ الْغُلُولِ ، فَلَمَّا جَاءَتْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فَأَبَتْ أَنْ تَأْكُلَهَا عُلِمَ أَنَّ فِيهِمْ غُلُولًا ، فَلَمَّا رَدُّوهُ جَاءَتْ فَأَكَلَتْهَا ، وَكَذَلِكَ كَانَ أَمْرُ قُرْبَانِهِمْ إِذَا تُقُبِّلَ جَاءَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَأَكَلَتْهُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ ) يَعْنِي : وَجْهَ الْأَرْضِ .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ :إِبَاحَةُ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا ، وَأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
هنا
التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 03-03-2015 الساعة 02:55 AM
|