عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 03-11-2013, 03:37 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
مدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 4,041
اقتباس:
♥ مواجهة الإمام النووي للسلاطين ومناصحته لهم بالرسائل ♥
رسالة النووي للسلطان يطالب الإشفاق على رعيته
قال ابن العطار رحمه الله تعالى: وكان مواجهاً للملوك والجبابرة بالإنكار، لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان إذا عجز عن مواجهة كتب الرسائل، ويتوصل إلى إبلاغها، فمما كتبه وأرسلني في السعي فيه وهو يتضمن العدل في الرعية وإزالة المكس عنهم، وكتب معه في ذلك شيخنا شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن بن الشيخ أبى عمرو ، وشيخ الحنابلة وشيخنا العلامة قدوة الوقت أبو محمد عبد السلام بن على بن سر الزواوي شيخ المالكية، وشيخنا العلامة قدوة الوقت ذو العلوم أبو بكر بن محمد بن أحمد السويسي المالكي، وشيخنا العارف القدوة أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ العارف ولي الله عبد الله بن الأرمني ، وشيخنا المفتى أبو حامد محمد بن العلامة أبى الفضائل عبد الكريم بن الجرستاني خطيب دمشق وابن خطيبها، وجماعة آخرون ووضعها في ورقة، وهذه صورتها: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله يحيى النووي : سلام الله ورحمته بركاته، على المولى المحسن، ملك الأمراء، بدر الدين، أدام الله الكريم له الخيرات، وتولاه بالحسنات، وبلغه من خيرات الآخرة والأولى كل آماله، وبارك له في جميع أحواله، وننهي إلى العلوم الشريفة أن أهل الشام في هذه السنة في ضيق عيش، وضعف حال، بسبب قلة الأمطار، وغلاء الأسعار، وقلة الغلات والنبات، وهلاك المواشي وغير ذلك، وأنتم تعلمون أنه تجب الشفقة على الرعية والسلطان ونصيحته في مصلحته ومصلحتهم، فإن الدين النصيحة، وقد كتب خدمة الشرع الناصحون للسلطان المحبون له كتاباً يذكره النظر في أحوال رعيته، والرفق بهم، وليس فيه ضرر، بل نصيحة محضة، وشفقة تامة، وذكرى لأولي الألباب، والمسئول من الأمير أيده الله تقديمه إلى السلطان، أدام الله له الخيرات، ويتكلم عليه من الإشارة بالرفق بالرعية بما يجده مدخراً له عند الله:
"يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ " [آل عمران:30]، وهذا الكتاب الذي أرسل به العلماء إلى الأمير أمانة ونصيحة للسلطان أعز الله أنصاره والمسلمين كلهم في الدنيا والآخرة، فيجب عليكم إيصاله للسلطان أعز الله أنصاره، وأنتم مسئولون عن هذه الأمانة ولا عذر لكم في التأخير عنها، ولا حجة لكم في التقصير فيها عند الله تعالى، وتسألون عنها: "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" [الشعراء:88-89].

"يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ "[عبس:34-37].
وأنتم -بحمد الله- تحبون الخير، وتحرصون عليه، وتسارعون إليه، وهذا من أهم الخيرات وأفضل الطاعات، وقد أهلتم له، وساقه الله إليكم، وهو فضل من الله ونحن خائفون أن يزداد الأمر شدة إن لم يحصل النظر في الرفق بهم.
قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ "[الأعراف:201] وقال الله تعالى: "وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ "[البقرة:215] والجماعة الكاتبون منتظرون ثمرة هذا، بما إذا فعلتموه وجدتموه عند الله "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ "[النحل:128] والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فلما وصلت الورقتان إليه أوقف عليها السلطان، فرد جوابهما رداً عنيفاً مؤلماً، فتكدرت خواطر الجماعة الكاتبين وغيرهم.
فكتب رحمه الله جواباً لذلك الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم.
من عبد الله يحيى النووي ، يُنهي أن خدمة الشرع كانوا كتبوا ما بلغ السلطان أعز الله أنصاره، فجاء الجواب بالإنكار والتوبيخ والتهديد، وفهمنا منه أن الجهاد ذكر في الجواب على خلاف حكم الشرع، وقد أوجب الله إيضاح الأحكام عند الحاجة إليها، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] فوجب علينا حينئذ بيانه وحرم علينا السكوت، قال الله تعالى: "لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "[التوبة:91].
وذكر في الجواب أن الجهاد ليس مختصاًً بالأجناد، وهذا أمر لم ندعه ولكن الجهاد من فرض كفاية، فإذا قرر السلطان له أجناداً مخصوصين ولهم أخباز معلومه من بيت المال، كما هو الواقع تفرغ باقي الرعية لمصالحهم ومصالح السلطان والأجناد وغيرهم من الزراعة والصنائع وغيرها، الذي يحتاج الناس كلهم إليها، فجهاد الأجناد مقابل بالأخباز المقررة لهم، ولا يحل أن يؤخذ من الرعية شيء مادام في بيت المال شيء من نقد أو متاع أو أرض أو ضياع تباع أو غير ذلك.
وهؤلاء علماء المسلمين في بلاد السلطان أعز الله أنصاره متفقون على هذا، وبيت المال معمور، زاده الله عمارة وسعة وخيراً وبركة في حياة السلطان، المقرونة بكمال السعادة له والتوفيق والتسديد والظهور على أعداء الدين، "وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ "[آل عمران:126] إنما يستعان في الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى، واتباع آثَار النبي صلى الله عليه وسلم، وملازمة أحكام الشرع، وجميع ما كتبناه أولاً وثانياً هو النصيحة التي نعتقدها، وندين الله بها، ونسأله الدوام عليها حتى نلقاه.
والسلطان يعلم أنها نصيحة له، وللرعية، وليس فيها ما يلام عليه، ولم نكتب هذا للسلطان إلا لعلمنا بأنه يحب الشرع ومتابعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الرفق برعيته والشفقة عليهم، وإكرامه لآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ناصح للسلطان موافق على هذا الذي كتبناه.
أي: أن كل الذي كتبناه إليك أيها السلطان! إنما هذا قولهم واتفاقهم.
قال: وأما ما ذكر في الجواب من كوننا لم ننكر على الكفار حين كانوا في البلاد، فكيف يقاس ملوك الإسلام وأهل الإيمان والقرآن بطغاة الكفر وبأي شيء من ديننا؟ أي أن السلطان يقول له: حينما كان الكفار في بلدك لماذا لا تنصحهم؟ لماذا لا تعظهم؟ الجواب: هؤلاء لا علاج لهم إلا السيف، أما أنت من أهل الإيمان ومن أهل القرآن، وإنك تتعظ بالكتاب والسنة، أما الكفار فبم يتعظون؟ لا نعظهم لا بكتاب ولا سنة؛ لأنهم من الأصل يجحدون وينكرون ويكفرون بهذا، فقال: إن هذا قياس مع الفارق، والسلطان هدد الرعية كلها بسبب ما كتب إليه النووي .
قال: وأما تهديد الرعية بسبب نصيحتنا، وتهديد طائفة العلماء فليس هو المرجو من عدل السلطان وحلمه، وأي حيلة لضعفاء المسلمين المفرقين في أقطار ولاية السلطان في كتاب كتبه بعض المسلمين الناصحين نصيحة للسلطان ولهم، ولا علم لهم به؟ أي: أن الناس الذين يعيشون متفرقين في أطراف المدينة ما هو ذنبهم؟ فهم لا يعرفون هل نحن كتبنا لك أم لم نكتب، فأنت لو آذيت الرعية كلها فما ذنبهم بسبب كتاب أتاك من واحد من الناس؟! فإذا كنت مؤذياً أحداً فليكن الإمام النووي الذي كتب إليك.
قال: وكيف يؤاخذون به لو كان فيه ما يلامون عليه؟ قال: وأما أنا في نفسي فلا يضرني التهديد.
وهذا هو كلام العلماء الربانيين.

قال: فلا يضرني التهديد ولا أكثر منه، ولا يمنعني ذلك من نصيحة السلطان، فإني أعتقد أن هذا واجب عليّ وعلى غيري من أهل العلم، وما ترتب على الواجب فهو خير وزيادة عند الله قال: "إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ"[غافر:39]، وقال تعالى: "وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ "[غافر:44]، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول بالحق حيثما كنا، وألا نخاف في الله لومة لائم، ونحن نحب للسلطان معالي الأمور وأكمل الأحوال، وما ينفعه في آخرته ودنياه، ويكون سبباً لدوام الخيرات له، ويبقي ذكره له على ممر الأيام، ويخلد في سننه الحسنة ويجد نفعه: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا [آل عمران:30]، وأما ما ذُكر من تمهيد السلطان البلاد وإدامته الجهاد وفتح الحصون وقهر الأعداء، فهذا بحمد الله من الأمور الشائعة التي اشترك في العلم بها الخاصة والعامة، وصارت في أقطار الأرض، ولله الحمد، وثواب ذلك مدّخر للسلطان إلى "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا "[آل عمران:30]، ولا حجة لنا عند الله تعالى إذا تركنا هذه النصيحة الواجبة علينا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس