قصة الفقير مع صاحبه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كــــان رجل فقير قد طال فقره ، وكان فيه بقية من إنسانية . فشكا إلى صاحبه الـــذي يعرف فيــــه النصح والرأي السديد حاله ، فقال : قد كنت تعرف حالي في الفقر ، وأنــا متواطئ على الفقر ، ولكنــي أريــد منــك نصيحة تخفف عني بعـض ما أجده من الهموم التي لازمتني في ليلي ونهاري ، وهي زيادة عما أجد من ألم الفقر وبأسائه وعنائه . فقال له صاحبه : يا أخي ! اعلم أن الفقراء نوعان : أحدهما : فقير شريف . والآخر : فقير وضيع . فاجتهد أن تكون من الشرفاء الذين فقرهم لا يتعدى فقر الإفلاس من الموجودات المالية . وإيـــاك أن تتصف بصفات الفقراء الساقطين الـــذين افتقرت أيديهم وقلوبهم ، كما بين ذلك النبي صلى الله عليــه وسلـم في قوله : " ليس الغنى عن كثرة العرض ، ولكن الغنى غنى النفس " (1) فعلم بهــذا الحديث الشريف أن المدار كله على ما في القلوب من الأوصاف الطيبة أو الدنيئة في حق الغني والفقير . فمن كان قلبه غنيا بالله فهو الغني حقيقة ، ولو كان فقيرا . ومن كان قلبه فقيرا إلى الأغراض ، وإلى الخلق ، فهــــو الفقير حقيقة ، ولو كان مثريا . فمتـــى علمت أن الله تعالى حكيم في جميع تدبيراته ، وأنـــه لطيف بعباده المخلصين ، قـد يقدر عليهم من الأقدار الكريهة للنفوس ، ما يكون سببا ووسيلة لخيرهم وثوابهم ، وأن الله قد ابتلى بالفقر كثيرا من أوليائه وأصفيائه ، وأن مــن صبر على شدته واحتسب ذلك عند الله ؛ لـم يـزل فــي زيادة فـــي إيمانه وثوابه ؛ وخصـوصــــا إذا ضم إلى هذا الوصف قوة الرجاء والطمع في فضل الله ، وأن الله سيزيل فقره ، وسيجعل الله بعد عسر يسرا . متى تحقق بذلك ، هانت عليه وطأة الفقر وشدته ، لما حصل له في مقابلته من الخير ، ولما يرجوه من الفضل والثواب . ومما يخفف ذلك : أن يعلم أن حزنه وهمه لا يخفف من فقره ومصيبته ، بل يزيد ذلك ، فكيف يسعى العاقل في زيادة عنائه ؟ وكيف لا يتسبب في تخفيف بلائه ؟ ثم اعلم - أيها الفقير - أن أكبر العلل التي توجب الهم والغم، وتسقط إنسانية العبد وحريته : تعلقه بالمخلوقين ، سؤالا لهم ، وذلا ورجاء ، وطمعا فيما يناله منهم . وأن من كان كذلك فإنه مقيد النفس رقيق القلب لغير الله، قد انقطع رجاؤه ممن كل خير في رجائه ، وكــل الأمور عنده ، ومفاتيح الأرزاق بيده ، إلى مــن لا يملك لـــه نفعا ولا ضرا ولا يريد له الخير ، وليس له من الأمر شيء ، وهو فقير مثله ! فمتــى علقت رجاءك كلـــه بالله ، واحتسبت الأمل عند الله ، وسلمت مـــــن التعلق بالمخلوقين ، ورجوت زوال عسرك ، أبدلك الله بهمك فرحا ، وبكدرك راحة ويسر الله لك الأمور ، وأوقع في قلبك القناعة التي من ملكها ملك الكنز الأكبر ، وقد ضمن الله للمتقي أن يجعل له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا . وأما قولك - يا أخي - : إني متواطئ على الفقر ، فهـو كلام غالط من وجهين : أحدهـما : أنه لا ينبغي لك أن تيأس من روح الله ورحمته ، وفضله وإحسانه . الثاني: يجب عليك أن تسعى بكل سبب يزيل فقرك أو يخففه، فاعمل بالأسباب النافعة مـن بيع أو شراء أو حرفة أو خدمة أو ما يناسب حالك ، وتحسنه من الأسباب ، فقد قـــال صلى الله عليه وسلم "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه " (2) ومتــى عملــت بالأسبـــاب بهـــذه النيـــة - نيـــة الاستعفاف والاستغناء عن الناس - يســر الله أمـرك ، وبـــارك لك فــي الشــيء القليل ، وسلمت من الفقر الوضيع، وهو فقر القلب لغير الله ، ودخول الفقير في معاصي الله وفي الأمور الدنيئة الضارة، التي إذا ابتلي بها العبد عوقب بعدة عقوبات، أقلها أنها سبب لبقاء فقره وزيادته ، كما هو مشاهد مجرب . وأكثر الفقراء قد جمعوا بين فقر الدنيا والآخرة . فقر القلوب ، وفقر الإفلاس والافتقار إلى المخلوقين ، وتعلق القلوب بهم ، والذل الوضيع لهم . وهذا نهاية الهبوط والسقوط . فالموفق الحازم يستعيذ بالله من هذه الحال ، ويعمل الأسباب الواقية والدافعة ، كمــــا ذكرنا . والله تعالى هو الموفق المعين . كتاب الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة فـي العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة(ص197) للشيخ عبدالرحمن السعدي (بتصرف) ..... (1) أخرجه البخاري في صحيحه ( ك الرقاق ، ب الغنى غنى النفس ، ص 1238 / ح 6446 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (2) أخرجه البخاري في صحيحه ( ك الزكاة ، ب الاستعفاف عن المسألة ، ص 287 / ح 1471 ) من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
الساعة الآن 08:30 AM بتوقيت مسقط |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By
Almuhajir