ملتقى قطرات العلم النسائي

ملتقى قطرات العلم النسائي (http://www.katarat1.com/forum/index.php)
-   ملتقى عام (http://www.katarat1.com/forum/forumdisplay.php?f=8)
-   -   على منهاج النُّبوَّة (http://www.katarat1.com/forum/showthread.php?t=2954)

أم حذيفة 01-11-2020 01:08 AM

على منهاج النُّبوَّة
 
✍على منهاج النُّبوَّة

🟢 إنه قد شَهِدَ بدراً!

كانتْ مكة على موعد قريب مع الفتح، رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حسم أمره بالسير إليها، وأخبر الجيش بالاستعداد، ولأن الحرب خِدعة، ولأن من يملك عنصر المفاجأة نادراً ما يُهزم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بكتمان أمر المسير إلى مكة.
كان كل شيء يسير كما هو مُخطط له، الصحابة من أهل مكة يحلمون باللحظة التي سيُقبِّلون فيها ترابها، والصحابة من أهل المدينة ما زالوا يحلمون بعُمرةٍ رُدُّوا عنها يوم الحُديبية! وبقية الصحابة من جزيرة العرب يحلمون باللحظة التي سيرتفع فيها أذان مكة مُعلِناً أنَّ الله أكبر! غير أنَّ شيئاً لم يكن بالحسبان قد وقع… يستدعي النبيُّ صلى الله عليه وسلم الفرسان الثلاثة علي والزبير والمقداد ويأمرهم بالتوجه على الفور إلى "روضة خاخ" حيث هناك امرأة تحملُ رسالةً عليهم إحضارها إليه مهما كلَّف الأمر!
توجَّه الثلاثة مُسرعين فوجدوا المرأة هناك، فطلبوا منها أن تُعطيهم الرسالة، فأنكرتْ وجودها، فقالوا لها: إما أن تُخرجي الكِتاب أو لنضعنَّ الثياب!
فلما علمتْ أنهم عازمون على تفتيشها، أعطتهم الرسالة وعادوا بها إلى المدينة، وهناك فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرسالة فإذا هي من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يُعلِمهم فيها بعزم النبي صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة لفتحها!
👈🏻خرقٌ أمني خطير! وإن شئتَ فقُلْ: خيانة عُظمى!
ويُبرر حاطبٌ فعلته بأنَّ له أهلاً ضعفاء في مكة، وأنه ما أراد برسالته غير أن تكُفَّ قريش أذاها عنهم!
ويقبلُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عُذره… غير أن عمر بن الخطاب بحزمه المعتاد، إذا ما تعلَّق الأمر بهذا الدين يقول: يا رسول الله ائذن لي أن أضربَ عنق هذا المنافق!
👈🏻فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يا عمر، إنه قد شهد بدراً، وما أدراك لعلَّ الله قد اطلعَ على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم!
إنه قد شهد بدراً!

▪يا تُرى هل نتذكر ماضي الناس المشرق عندما يقعُ منهم خطأ، أم أننا ننسى كل المعروف، واللحظات الحلوة، والمشاعر الجميلة التي عشناها عند أول زلة قدم؟!
في حياة كل إنسان "بدر قد شهدها" فلماذا لا نمحو الخطأ ببدر تلك بدل أن نمحو بدراً بهذا الخطأ!
لماذا نُريد من الناس أن يكونوا ملائكة على الدوام؟! أليس لكل جواد كبوة، ولكل قدم زلة، ولا بد للنبيل أحياناً أن يخونه نُبله، وقد قال علي بن الجهم:
ومن ذا الذي تُرجى سجاياه كلها
كفى المرءُ نُبلاً أن تُعدَّ معايبه!

تجد الزوجة تخوضُ كل يومٍ بدراً، تربيةً للأولاد، وطبخاً ونفخاً، وتدريساً واهتماماً، وعند أول خطأ ينسى الزوج ذلك كله وكان بإمكانه أن يقفز عنه!
وتجدُ الزوجَ محباً حنوناً رحيماً فإذا أخطأ قامت الدنيا ولم تقعد، تنسى الزوجة عُمراً من المعروف بموقف كان بإمكانها التغاضي عنه!
لماذا على المدير أن ينسى كل ماضي الموظف المشرق عند خطأ عابر، وعلى الموظف أن ينسى لُطف المدير السابق عند أول موقف حزم!
لماذا ينسى الوالدان سنوات ابن في البِر لموقف عقوق واحد، وينسى الأولاد إحسان الدهر من الوالدين للحظة ضعف إنساني واحد!
احفظوا لكل أَحدٍ "بدره" ولا تمحوا كل المعروف بموقف واحد!

منقول

أم حذيفة 01-11-2020 07:28 PM

✍على منهاج النُّبُوَّة

2⃣

🟢 فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!

كان يوم بدر يوم حمزة بن عبد المطلب بامتياز، صالَ فيه الأسدُ الهصور وجالَ، ما مرَّ بفارسٍ إلا وصرعه، ولا أتى على محاربٍ إلا أهلكه، كيف لا وهو الذي كانت تُلقبه قريش في الجاهلية بِصائِدِ الأُسود، ولقَّبه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الإسلام بأسدِ الله وأسدِ رسوله!
لقد أصابَ قريشاً في مقتلها، واعتبرته المسؤول الأول عن هزيمتها في بدر، وكان لأكثر من بيتٍ قرشي ثأرٌ عنده!
وكان وحشي بن حربٍ عبداً رامياً بالحربة، مُجِيداً فيها، فوُعِدَ إن هو قتل حمزة يوم أُحد أن يصير حراً، وهكذا كان، استشهد أول قائد هيئة أركان في تاريخ الإسلام، وصار وحشيٌ حراً طليقاً! ولما فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكة، هربَ وحشيٌ إلى الطائف خوفاً من فِعلتِه، ثم إنه قد قيل له: إن الرجلَ لنبيٌّ، وإنه لا يثأر لنفسه، وقد قال: الإسلام يجُبُّ ما قبله، فلو أتيتَه وأسلمتَ، لَقَبِل منك، وعفا عنك!
فجاء وحشيٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رآه قال له: أنتَ وحشي؟
قال: نعم
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنتَ قتلتَ حمزة؟
فقال: قد كان من الأمر ما بلغكَ، وقد جئتُ أشهد أن لا إله إلا الله، وأنكَ رسول الله!
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!
ولم يلتقيا بعدها، فلما قُبِضَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وادعى مُسيلمة الكذاب النبوة، خرج وحشي في جيش المسلمين، وقتل بحربته مُسيلمة! وكان بعدها يقول: قتلتُ بحربتي هذه خير الناس وشر الناس، حمزة بن عبد المطلب ومُسيلمة الكذاب!

فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!
هنا مربط الفرس، وإسطبلُ الكلام!
الإسلام يجبُّ ما قبله، ولا يستطيعُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يردَّ إسلامَ من جاءه مسلماً لأي فعلة فعلها في الجاهلية حتى لو كان قد قتلَ عمّه! لهذا قبلَ إسلامَ وحشي! ولكنه بأبي هو وأمي لا يستطيع أن يخرجَ من قفص بشرِيَّتِه، إنه يُحبُّ ويكره، ولا يُريدُ أن يرى وجه وحشي طالما فيه جفن يطرف!
لقد طبَّق شرع ربه بقبوله إسلام وحشي، ولكن حقه الشخصي رفضَ أن يتنازل عنه، ما زال موجوعاً لفقد عمه وقائد جيشه وأحد أشرس جنود الإسلام!
العفو عند المقدرة من شِيَمِ النُّبلاء، وقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم نبيلاً فعفا، ولكن العفو شيء والودُّ شيء آخر!
أحياناً يجرحنا الآخرون عميقاً، يُسبِّبون لنا جروحاً غائرة لن تُشفى ما دامت السماوات والأرض، وقد يدخل الناس للصلح، وقد نسامح، ولكننا لا نُريدهم بجانبنا مرةً أُخرى، ولا نُريد رؤية وجوههم حتى، لأننا كلما رأيناهم سنتذكر طعم الطعنة التي طعنونا إياها، ونتحسس الجرح الذي أحدثوه فينا ولم يبرأ بعد!
تفهموا أن الذي لا يريدُ عودة الأمور إلى مجاريها مجدداً رغم مسامحته ليس بالضرورة أن يكون حقوداً، فلو كان حقوداً ما طوى الصفحة أساساً، ولكن جرحه له وحده، وعلينا أن نحترم خصوصية الجُروح!
وقريباً من هذا قال الأديب الروسي ليو تولستوي: عندما يخونونك فكأنما قطعوا ذراعيك، تستطيع أن تُسامحهم، ولكنك لا تستطيع أن تُعانقهم!

~~

أم حذيفة 01-13-2020 02:51 AM


3⃣

وهذه يد عثمان!


✍لمَّا كان عام الحديبية وسار النبي صلى الله عليه وسلم بالمُسلمين يُريدون مكة للعمرة فقط، أُشيع في مكة أن المسلمين إنما جاؤوا للحرب، فقرر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرسل إليهم رسولاً يُخبرهم أنه ما أراد إلا العمرة، ولن يمكث في مكة أكثر من يوم وليلة! ووقع أول الأمر اختياره على عمر بن الخطاب، ولأنَّ بني عدِي يومئذ قلة في مكة ولن يقدروا أن يحموه إذا أرادت قريشٌ الغدر، اقترح الفاروق على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يرسل مكانه عثمان بن عفان، فهو من بني أُمية، الفخذ القوي والثريُّ من قريش ولن يتجرأ عليه أحد…
ويقبلُ النبي صلى الله عليه وسلم رأي عمر، ويُرسلُ عثمان بن عفان مُوفداً منه إلى قريش برسالةٍ مفادها ما أتينا للحرب، إنها العمرة فقط!
فأتى عثمان مكة، وأبلغ أبا سفيان وسادة قريش رسالة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فأخبروه أنهم سينظرون في أمرهم، وقال أبو سفيان لعثمان: إن شئتَ أن تطوف بالبيت فطفْ!
فقال له عثمان: ما كنتُ لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبقته قريش عندها ريثما تستقر على رأي تبعثه معه إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وعندما تأخر عثمان أُشيع أنه قد قتل، وكانت الأعراف الدبلوماسية وقتذاك تقتضي أن الرُّسل لا تُقتل، لهذا غضب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وطلب من المُسلمين أن يُبايعوه على الموت لقتال قريش عند الشجرة بما عرف فيما بعد ببيعة الرضوان!
ووضع النبي صلى الله عليه وسلم يده، وبدأ الصحابة يضعون أيديهم فوق يده الشريفة ويُبايعونه على الموت، ثم لما اجتمعت الأيدي فوق يده، رفع يده الشريفة الأخرى وقال: وهذه يد عثمان!
صحيح أن هذه البيعة ما كانت لتكون لولا غياب عثمان، ولكن عثمان كان حاضراً رغم غيابه، سيد الناس ينوب عنه، ويده الشريفة تسدُّ فراغ يد عثمان!
علمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن بيعة الموت لو كانت لسبب آخر وكان عثمان حاضراً ما تخلَّف عن البيعة لهذا سدَّ غيابه
فهل حفظنا نحن غيبة بعضنا؟!

هل تمَّ جمع صدقةٍ لفقير فقال أحدنا هذه عن صديقي الغائب فلو كان حاضراً لتصدَّق؟!

هل اصطحبَ أحدنا أباه أو أمه إلى المستشفى وفي لحظة خلوة قال لأحدهما: إن أخي غاب لعذر ولو كان معنا لكان هنا مكاني وما سبقته إلى بِرِّكما؟!

عندما كانت غزوة تبوك، افتقد النبيُّ صلى الله عليه وسلم كعبَ بن مالك، فسأل: ما فعلَ كعبُ بن مالك!
فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه بُرداه والنظرُ في عِطفيه!
فقام مُعاذ بن جبل وقال: بئسَ ما قلتَ، واللهِ يا رسول الله ما علمنا عنه إلا خيراً!
نعم غاب كعب، ولكنه كان حاضراً في قلب معاذ، فحفظ له غيبته!
وقال رجل للمُبرِّد النحوي الشهير: شتمني فلان فحلمتُ وسكتُّ عنه، ثم شتمكً، فساويتكَ بنفسي، وسكتُّ عنه!
فقال له المُبرِّد: ليسا سواء، إنَّ احتمالك في نفسك حِلْم، واحتمالك في صديقك غدر!

📍كلما غاب صديق تعرف مروءته، سُدَّ مكانه، وتذكَّرْ: هذه يد عثمان

أم حذيفة 01-13-2020 10:14 PM

4⃣

✍شُهداء الله في الأرض!

كانتْ جلسةً رائعة، وكيف لا تكون كذلك والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيها! والصحابة يُكحِّلون أعينهم بالنظر إلى وجهه، يا لحظِّهم!
وتمُرُّ جنازةٌ… فيُثني الصحابة عليها خيراً، ربما قالوا يومها: كان الميت صديقاً وفياً، وزوجاً مُحباً، وابناً باراً، وجاراً كريماً، كان يُصلح بين المتخاصمين، ويتصدق على المساكين، ويُسامح من أخطأ بحقه، وكان قلبه معلقاً بالمساجد!
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ!

ثم بعد قليل مرَّتْ جنازةٌ أخرى، فأثنى الصحابة عليها شراً، ربما قالوا يومها: كان الميت صديقاً غادراً، وزوجاً لئيماً، وابناً عاقاً، وجاراً مُؤذياً، كان لا يحترم كبيراً ولا يعطف على صغير، والطريق إلى المسجد لا يعرفها ولا تعرفه!
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ!

فسأل الصحابة: ما وَجَبَتْ يا رسول الله؟
فقال: من أثنيتم عليه خيراً وجبتْ له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبتْ له النار، أنتم شُهداء الله في الأرض!

كلنا سنُحمل يوماً على الأكتاف، فكل نفسٍ ذائقة الموت، وما نحن إلا جنائز مُؤجلة، وكما قال كعب بن زهير:
كلُّ ابنِ أُنثى وإن طالتْ سلامته
يوماً على آلةٍ حدباء محمولُ!

فهل فكرنا ماذا سيقول شهداء الله في الأرضِ عنا يوم نُحملُ في التوابيت؟!

كل إنسان تتعامل معه اليوم هو شاهد لكَ أو عليكَ، تذكر هذا جيداً وأنتَ تُخالط الناس، وانسَ ما شئتَ ولكن إياك أن تنسى: وَجَبَتْ!

ماذا سيقول أبواك عنك؟ اللهم اغفرْ له فقد كان نعم الابن، أم سيقولان اللهم إنك تعلم ما كان من أمر عقوقه!

ماذا ستقول زوجتك عنك؟ اللهم إنه كان خير زوج، أم ستقول خُذْ بحقي منه يا الله!

ماذا سيقول أبناؤكَ عنك؟ اللهم إنه كان أباً عادلاً لم يُفضِّل ابناً على بنتٍ، ولا ولدٍ على ولد، أم سيقولون يا الله إنه قد ظلمَ وميَّزَ وأضاع الأمانة ولم يُحسن التربية!

ماذا سيقول جيرانك عنك؟ اللهم أنزله في جوارك فقد كان خير جار، أم سيقولون وأخيراً استرحنا من أذاه!

ماذا سيقول زملاؤك في العمل عنك؟ اللهم ارحمه فقد كان طيباً ينصحُ ويُساعد، ويحفظ السر، أم سيقولون اللهم إنك تعلم أنه كان واشياً لا يُؤتمن، ومُؤذياً لا يُحتمل!
كل مُتعثِّر أقمته وأخذت بيده هو شاهد لك
كُلُّ دمعةٍ مسحتها هي شاهدة لكَ
كل فقير رأى منك دفء ابتسامتك قبل دفء درهمك هو شاهد لكَ
كلُّ مسكين أعنته، وجائع أطعمته، وتائه أرشدته، ومظلوم نصرته، شهود لكَ،
فكثِّرْ شهودكَ، فجنائز الغد تتنفسُ اليوم!

أم حذيفة 01-16-2020 10:29 PM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

5⃣

✍أَجِب عني!

مر عمر بن الخطاب يوماً بالمسجد، فإذا حسان بن ثابت ينشد فيه شِعراً، فانتهره عمر لا تحريماً للشعر، ولا انتقاصاً من قيمة الشعراء، كيف لا وهو القائل: خذوا لُغتكم من كتاب ربكم وقديم شِعركم! وإنما كان نهيه إعلاءً لقيمة المسجد، وتنزيهه أن لا يقال فيه إلا قرآن كريم وحديث نبوي.

ولكن حسان بن ثابتٍ قال له: يا أمير المؤمنين كنتُ أُنشد في المسجد شِعراً وفيه من هو خير منك!
ثم التفت إلى أبي هريرة وقال له: يا أبا هريرة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: يا حسَّان أَجِبْ عني، اللهم أيده بروح القُدُس؟!
فقال أبو هريرة: نعم
فمضى عمر وتركه!

واستطراداً، إني لو كنت محدثاً، وأردت أن أجمع الأحاديث الواردة في فضل عمر بن الخطاب، لأوردتُ هذا الحديث في فضائله، فليست الفضيلة في أن يكون المرء على صواب دوماً،
👈🏻 إنما أن يكون وقافاً عند الحق إذا تبين له أنه مخطئ!

👈🏻أَجِب عني!
هنا مربط الفرس، وبغية الكلام!
هذا الدين الذي احتاج يوماً إلى سيف خالد حين احتدمتْ المعارك الحربية احتاج أيضاً إلى قصائد حسان حين احتدمتْ المعارك الفكرية، خالد لم يكن بإمكانه أن يسد مكان حسان، وحسان لم يكن بإمكانه أن يسد مكان خالد! لقد وضع الله سبحانه كل واحدٍ منا على ثغر، وعليه أن يحرس هذا الثغر بكل ما أُوتي من قوة، دون أن يستصغر الثغر الذي يحرسه، ودون أن يتفاخر بأن ثغره أهم من بقية الثغور!
مال عثمان بن عفان كان يوم جيش العسرة أهم من قراءة أُبي بن كعب، وعند جمع المصحف الشريف كانت قراءة أُبي بن كعب أهم من مال عثمان، وسيف خالد، وقصائد حسان، فكن أسداً عندما يحين دورك!

سيف علي بن أبي طالب يوم تصدى لمرْحبٍ في غزوة الخندق، يوازي مال أبي بكرٍ الذي أعتق به بلالاً، ما كان لسيف علي أن يحرر عبداً مسلماً من قيده، تماماً كما لم يكن لمال أبي بكر أن يقضي على مرحبٍ!
⚡هذا الدين تكامل بين أتباعه، لا تنافس وتفاضل!
وهذا هو حال الإسلام اليوم، ثغور شتى، وكل واحد منا على ثغر!
الأم في بيتها على ثغر، لأن صناعة الرجال مهمة عظيمة!
والمدرس في صفه على ثغر، لأن الأمة الجاهلة تُقاد ولا تقود!

المجاهد على ثغر لا يسده إمام المسجد، وإمام المسجد على ثغر لا يسده التاجر الثري، غير أن ثغر التاجر الثري صدقة وإنفاقاً وإعانة للناس لا يقل أهمية عن دور المجاهد الذي يجود بدمه، وإمام المسجد الذي يأخذ بأيدي الناس إلى الله!
⚡أُنظر أين أقامك الله، هذا هو ثغرك الذي عليكَ أن تحميه، وتجاهد فيه، وعندما يقوم كل واحد منا بدوره، تستعيد هذه الأمة مجدها!
▪مرِضتْ زوجة الملك، فأوصى الأطباء أن تستحم كل يوم بالحليب، فتساءل الملك كيف يملأ الحوض حليباً كل يوم، فاقترح وزيره أن يحضر كل راعٍ في المملكة دلو حليب في الليل يفرغه في الحوض، وهكذا تحل المشكلة!
قال كل راعٍ في نفسه، لو وضعت دلو ماء، سيضيعُ بين دلاء الحليب، ولن يعرف الملك، وفي صبيحة اليوم التالي، وجد الملك الحوض مملوءاً ماءً!
لم يبدأ كل واحدٍ بنفسه، لقد انتظر أن يقوم الآخرون بدوره، وهذا باختصار هو حالنا اليوم!

~~

أم حذيفة 01-18-2020 09:57 PM


6⃣

✍لم أستفِق إلا وأنا في قرن الثعالب!

ضاقت عليه مكة، أبو طالب الذي كان يحوطه ويرعاه قد مات، وخديجة جبهته الداخلية ومتراسه قد ماتت أيضاً، ولم يتغير شيء في مكة، ما زالت غارقة في الضلال، تكذِّب نبيَّها، وتسوم أصحابه أصناف العذاب، فقرَّر المسير إلى الطائف، علَّه يجد فيها قلوباً أرحم من تلك القلوب القاسية في صدور سادة قريش، وفي الطائف عرض دعوته على سيدها ابن عبد ياليل، فوجده كأبي جهل غلظة، وكأبي لهب تكذيباً، وكأُمية بن خلف أذيةً، فأطلق خلفه سفهاء الطائف وغلمانها يرشقونه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفتين!

بعد سنوات من هذه الحادثة، كانتْ جزيرة العرب تدين بالإسلام، فقد جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً! وتسأله عائشة: هل أتى عليكَ يوم أشد من يوم أُحد؟!
كانت تعرفُ كم كان موجعاً ذلك اليوم، فقد فيه عمه حمزة، المُقاتل الشرس، ورئيس هيئة أركانه! وفقد سبعين من خيرة أصحابه، وشجَّ رأسه، وكُسرتْ مقدمة أسنانه!
👈🏻ولكنه حدثها عن يوم الطائف، لقد كان عليه أشد من يوم أُحد، فبعد أن رجموه وأخرجوه، يقول لها: فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفِق إلا وأنا في قرن الثعالب! فرفعت رأسي فإذا بسحابة فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعثَ إليكَ ملك الجبال لتأمره بما شئتَ فيهم! فناداني ملكُ الجبال، وقال: إن شئتَ أطبقت عليهم الأخشبين!
فقلت: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئاً!

⚡الشاهد في القصة:
فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا في قرن الثعالب!

هو يعلم أنه نبي، ويعلم أنَّ دينه سينتصر نهاية المطاف، ويعلم أن الله معه ولن يخذله، ولكنه إنسان يحزن، ويضيق صدره، ويصيبه الهم، بل ويسير هائماً على وجهه لا يدري أين تأخذه قدماه بأبي هو وأمي، ثم ينتبه فإذا هو في قرن الثعالب قد مشى مسافة بعيدة عن الطائف!
فما بالك بنا نحن الذين لو جمع إيماننا جميعاً في كفة وإيمانه هو في كفة لرجح إيمانه على إيماننا، ولفاق يقينه بالله يقيننا، ولغلبَ صبره صبرنا، أليس من حقنا نحن أيضاً أن ننكسر أحياناً، ونمشي لا ندري أين تأخذنا أقدامنا؟!
فهل قدرنا هذا لبعضنا، وعرفنا أنه تمر بالإنسان لحظات يخرج فيها عن طبعه الطيب، واتزانه الذي عرفناه به، وعقله الراجح الذي ألِفناه عليه؟!

تمر بالإنسان لحظات لا يطيق فيها أن يقول كلمة، أو يسمع نصيحة، أو يقابل إنساناً، فلماذا نعتبر الأمر شخصياً، ونزيد هموم بعضنا البعض بدل أن نراعي أنَّ النفس في إقبال وإدبار، وأن الروح تمرض تماماً كما يمرضُ الجسم؟

إذا رأيت صديقك ضجِراً فلا تكن له هماً فوق همه، كُن له قرن الثعالب الذي يستفيق عنده!
احترم حزنه، وحاجته في أن يبقى وحده، ثم حين يهدأ، اِربت على كتفه، وامسح على صدره، وواسِ قلبه، حدثه حديث القلب للقلب، والروح للروح، دعكَ من المنطق قليلاً، فالنفس لحظة انكسارها تحتاج احتواءً لا درساً، والروح لحظة تيهها تحتاج احتضاناً لا محاضرة!

نحن نضعف لا من قلة الإيمان ولكن من قسوة الحياة، ما كان إيمان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قليلاً يوم الطائف، ولكن الحياة كانت قاسية، ولقد علِم الله حجم وجعه وانكساره، فلم يعاتبه لأنه هام على وجهه، ولم يقل له أين إيمانك بي، بل أرسل له ملائكةً، تحفه وتنصره، علم الله تعالى أن رسوله نهاية المطاف إنسان، وأن الناس تمر بهم لحظات ضعف تحتاج عندها قلباً حنوناً لا عقل فيلسوف أو لسان خطيب!

منقول

أم حذيفة 04-01-2020 04:10 AM


7⃣

✍إِن تَصْدِقِ اللهَ يصدُقُكَ!

لم يكن أحد من الصحابة يعرفه، مجرد أعرابي جاء من الصحراء وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة والجهاد. ثم كانت غزوة، وخرج الأعرابي مدافعاً عن هذا الدين في جملة من خرج، ثم منَّ الله على المسلمين بالنصر، وقسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم بين أصحابه، وترك للأعرابي نصيبه، فلما جاء وقيل له ترك لك رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، أخذ الغنيمة وتوجه إليه، وقال له: يا رسول الله ما هذا؟

فقال له: قسمته لكَ
فقال: ولكن ما على هذا اتبعتكَ يا رسول الله، ولكني اتبعتكَ على أن أُرمى بسهم هاهنا -وأشار إلى رقبته- فأموت فأدخل الجنة!
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إِنْ تصدق اللهَ يصدقك!
فلما كانت جولة أُخرى من القتال، أُتِيَ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم محمولاً، والسهم مغروز في رقبته حيث أشار سابقاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟
فقالوا: نعم يا رسول الله
فقال: صدقَ اللهَ فصدقه الله!
ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته، وصلى عليه، وكان مما سمعوا من دعائه يومها أنه قال: اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، فقتِلَ شهيداً وأنا شهيد على ذلك!

إِنْ تصدِقِ الله يصدقُك!
يُمكنك أن تتحدث طويلاً عن رغبتك في الجهاد، وعن نيتك في الالتزام بصلاة الفجر، وعن أُمنيتك في حفظ القرآن الكريم، وعن عزمك على الصدقة كثيراً لو كنت غنياً، ونحن لا يمكن أن نحكم عليكَ إلا بظاهركَ، ولكن الله سبحانه يراك من الداخل، ينظر إلى قلبك عارياً من فنون الخطابة، وحسن البلاغة، وضجة الإعلام والبيانات، وعلى ما في قلبك سيعطيك!
إنَّ الله يعطي على نية العمل أجر عمل كامل لم يعمل حين يعلم في قلب عبده صدقاً أنه لو استطاع لعمل، ولا يقبل الطاعة على حسن ظاهرها إن علم أن وراءها رياء وحب شهرة ونفاقاً، وقد كان عبد الله بن سلول يصلي الفجر جماعة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الدرك الأسفل من النار، لقد عمل بجوارحه عمل الصالحين وعمل بقلبه عمل المنافقين، وإنما المرء بقلبه!
وقد جاء في الأثر أنه قد أصاب بني إسرائيل زمن موسى عليه السلام فاقة ومجاعة، وأنَّ راعياً بسيطاً نظر إلى الجبال حيث يرعى غنم الناس، وقال: اللهم إنك تعلم أنه لو كان لي مثل هذه الجبال ذهباً لتصدقت بها على عبادك!
فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يا موسى قُل لعبدي أني قبلت منه صدقته!
تذكروا دوماً أن الله لا ينظر إلينا من أعلى فحسب، ولكنه ينظر إلينا من الداخل أيضاً، وعلى قدر النوايا تكون العطايا!

~

أم حذيفة 04-02-2020 01:42 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

8⃣

✍ ما لي أراك منكسراً؟

عاد المسلمون من أُحدٍ بالهزيمة، وهزيمةٌ تُربيك وتكسرك وتُريك خطأك خير من نصرٍ يُطغيك! أراد الله سبحانه أن يربي هذه الأمة ويخبرها أن لا نصر إذا لم يطع عبده ورسوله!

ولأن فقد الأحبة موجع، والفراق أليم، والصحابة بشر، خيَّم عليهم الحزن، حتى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كُلِمَ بفقد عمه، وظلَّتْ خسارة حمزة جرحاً ينزُّ داخله إلى أن فارق الدنيا! ولكن على الحياة أن تمضي، فلملموا جراحاتهم، وطيَّب بعضُهم خاطر بعض،
وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأكثر تطييباً للخواطر رغم أنه كان الأكثر ألماً! ولقي يوماً جابر بن عبد الله بن حرام، فقال له: يا جابر، ما لي أراك منكسراً؟
فقال له: يا رسول الله قتل أبي يوم أُحد، وتركَ عيالاً ودَيناً!
فقال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: أفلا أُبشركَ بما لقي الله به أباك؟
قال: بلى
فقال له: ما كلَّم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، ولكنه أحيا أباك فكلَّمه كِفاحاً، وقال له: عبدي تمنَّ عليَّ أُعطِكْ! فقال: يا رب أن تحييني فأُقتلَ فيك ثانية! فقال الربُّ عزَّ وجل: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يُرجعون!

ما أعذبها من عبارة: يا جابر ما لي أراك منكسراً؟!
أحياناً لا يريد الناس أكثر من كلمة حلوة، وتربيتة على الكتف، وأن تخبرهم أنكَ تهتم، وأنه يوجعك حزنهم.
👈🏻إن الكرم ليس مالاً فقط، الاهتمام كرم أيضاً، والمواساة أحياناً تُساوي مال الدنيا كلها! فهل طبقناها في حياتنا، هل رأينا حزناً بادياً على وجه صديق فسألناه ما به، هل أشعرناه أننا نهتم، وأننا بجانبه وعلى استعداد لفعل أي شيء لنُزيل عنه بعضاً مما نزل به، أم تعاملنا مع الناس على مبدأ: لا يهمني أحد ما دمت أنا بخير!

كان جابر يعرف أنَّ أباه قد ماتَ شهيداً دفاعاً عن دينِ الله وشريعته، وأن آخر لحظات عمره كانت تحت راية النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ويا لها من خاتمة، ولكن كل هذا لم يلغِ أنه يحتاج من يذكره بفضلَ أبيه، فلا شيء يرمم فقد الدنيا سوى معرفة أن الآخرة خير منها وأبقى، فإذا عزيت أهل عزاء بفقيدهم ذكرهم بحسناته وأخلاقه في الدنيا، وأن المؤمن إنما ينتقل من جوار الناس إلى جوار الله، هذا وحده يبلسم الجرح!

في الحديث لا يذكر جابر أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قضى دين أبيه، ولكنه عليه السلام قد فعلَ، ليس مع جابرٍ فقط، وإنما حين كثر المال كان يقول للمسلمين: من تركَ مالاً فلورثتِه، ومن تركَ ديناً فعلينا!

أحياناً يموت الناس في المستشفيات، ويتركون وراءهم حساباً ثقيلاً لا يستطيع الأهل تسديده، وأنت أعلم بحال الميت وأهله، فإن علمت فيهم فقراً، وقلة ذات يد، سلهم إذا ما كانوا يحتاجون شيئاً، والأنبل لو بادرت بالمساعدة من غير سؤال إذا غلب على يقينك أنهم أهل حاجة، فلا يجتمع عليهم ألم الفقد، وثقل الدَّين!

~~

أم حذيفة 04-03-2020 01:53 AM



9⃣

✍قُمْ أبا تُراب!

كان وصَّالاً للأرحام، يزور بناته، ويُلاعب أحفاده، ويُلاطف أصهاره، ويُكرم أنسباءه، وجاء مرةً لزيارة فاطمة ابنته وقطعة قلبه الفُضلى، فلم يجد علياً في البيت، فسأل عنه، فأخبرتْه أنه قد حدث بينهما خلاف فخرجَ من البيت!
فتركها ومضى، وطلب من رجل أن يبحث له عن علي، فعادَ إليه وأخبره أنه نائم في المسجد، فذهب إليه، فإذا هو نائم واضع خده على الأرض وعليه بعض التراب،
فقال له: قُمْ أبا تُراب! وجعلَ يمسح بيده الشريفة التراب عن وجهه!

لم يسأل فاطمة عن الخلاف الذي وقع بينها وبين زوجها، ولم يطلب منها أن تُخبره بما قالت له، ولا ما قال لها، أراد أن يعلِّمنا أن البيوت أسرار، وأنّ تدخُّل الأهل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الزوجين يفاقم المشاكل، فلا تُحاولوا كشف ما ستره الله، دعوا الأزواج تتخاصم وتتصالح!

الخلافات الزوجية تقع في كل البيوت وهذا شيء طبيعي وعادي جداً، هذه فاطمة سيدة نساء العالمين، وهذا علي خليفتنا الراشد، ومع هذا وقع بينهما خلاف فما بالك بنا نحن الذين دونهم، فانظروا إلى المشاكل على أنها جزء من الحياة، تقع وعلينا أن نحلها ونتعلم دروساً منها، لا أن نفرط عرى الأُسرة، ونُشرد الأولاد، ونصبح علكةً في كل فم!

وانظُر إلى حكمة النبي صلى الله عليه وسلم، يذهبُ إلى علي ويترفَّق به ويسترضيه، ولا يُعاتبه عما حدث بينه وبين ابنته، حتى أنه لم يسأل ما الذي حدث، وهذا درس بليغ للأهل في أن لا يتحزَّبوا لأولادهم عندما تقع الخلافات الزوجية، ولا يصبوا الزيت على النار، على العكس يجب أن لا ينسى أهل الزوج معروف كِنتهم السابق وماضيها ومواقفها النبيلة معهم، ويجب على أهل الزوجة أن لا يجعلوا من زوج ابنتهم شيطاناً رجيماً لمجرد خلاف وقع بينه وبينها!

ويُعلِّمنا عليُّ درساً هاماً أيضاً في أدب الخلاف، ومشاكل البيوت، لقد خرجَ من البيت تاركاً فاطمة لتهدأ، نحن في غضبنا نقول أشياء مُؤذية، ونسمع من الآخر أشياء تُحزننا، فالأفضل إذا وقع الخلاف أن لا نقف كالديوك المُتصارعة قبالة بعض، هذا يسمع ويرد، وذاك يسمع ويرد!

ويُعلِّمنا عليُ درساً آخر أيضاً، لقد خرج هو من البيت ولم يطرد زوجته منه كما يفعل كثير من الأزواج اليوم جاهلين أن خروج الزوجة من البيت يُفاقم المشاكل، وهو أمرٌ جارحٌ لها ولأهلها، ناهيك عمَّا فيه من فضح الأُسرة ونشر غسيلها أمام الرائح والغادي! فإذا وقع بينكما خلاف واحتدم اتركها في البيت واخرج، وعد في المساء، أو نَمْ في بيت صديق لك أو في فندق إن بدا لكَ أنَّ هذا أفضل. وهي حتماً ستهدأ ويعز عليها غيابك، وتُقدِّر لك أنك تركتها في بيتها مُعزَّزة مُكرَّمة!
~

أم حذيفة 04-04-2020 12:36 AM


🔟
✍ إنها كانت تُحبُّ خديجة!

كانتْ في الأربعين من عمرها وكان هو في الخامسة والعشرين! كانتْ حنونة تُغدِقُ عليه كلَّ قلبها فتُشعره أنها في مثل سنِّه، وكان حكيماً ناضجاً إلى الحد الذي يُشعرها أنه في مثل سنِّها!
كانتْ ثرية جداً ولكنها كانت تُشعره أنه عندها أغلى ممَّا تملك، وكان فقيراً ولكن كان يُشعرها أنها أغلى عنده ممَّا تملك!
فإن قيل لك أنَّ الحُبَّ يصنع المُعجزات فصدِّقْ!

وينزلُ الوحي، ويا لهول الموقف، لا بُدَّ له من ملجأ بعد هذا الذهول والبرد الذي أصابه، فلم يذهب إلى عمِّه الشجاع حمزة، ولا إلى عمِّه الحنون أبي طالب، ولا إلى صديقه الوفي أبي بكر، وإنما ذهب إلى خديجة، كان يعرفُ أنَّ عنده امرأة تُساوي جيشاً كاملاً ولقد كانتْ عند حُسنِ ظنه بها! هدَّأته، وذكَّرته فضائله، ثم أخذته إلى ورقة بن نوفل، فلما علمتْ أنه نبي كانت أول من أسلمَ من أهل الأرض!

وتموت خديجة… وتضيقُ الأرضُ عليه، فيأخذه ربُّه إلى السماء فيما يُشبه عزاءً لرجل مكلوم فقدَ حبيبته الحنون، وصديقته الرؤوم، وزوجته الوفيَّة! ويُهاجر ويتزوج ويبقى مكان خديجة في قلبه شاغراً لا يملأه أحد!

كان قد شارف على الستين حين رأى عجائز قد شارفنَ الثمانين فخلعَ رداءه ليجلسنَ عليه، وقال لمن حوله يُبدِّد استغرابهم: هؤلاء صُويحبات خديجة!

وتأتيه امرأة عجوز في بيته، فيهشُّ لها ويبشُّ، فتستغربُ عائشة كل هذا الترحاب، فيُعلِّل قائلاً: إنها كانت تأتينا زمان خديجة!
زمان خديجة! ألاحظَ أحدكم أنه كان يُؤرِّخ حياته بها!

وكان يذبحُ الشاة، ويُقطِّع لحمها ثم يقول: أعطوا منه صُويحبات خديجة!
ويقول أنس كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أُتِيَ بالشيء يقول: "اذهبوا به إلى بيت فُلانة فإنها كانت تُحِبُّ خديجة"!
إنه لا يُحبها فقط، بل يُحبُّ كل من أحبَّها!

مُخطئ من يعتقدُ أن الحُبَّ منقصة للرجولة، وأن إظهار الحُبِّ والاهتمام والوفاء ضعف في الشخصية، ها هو سيد الرجال يحبُّ خديجة حيةً وميتة، فلا تخجلوا بمشاعركم، عيشوها حتى آخر رمق، لا شيء في الدنيا أجمل من الحُبِّ الحلال!
مُخطئ من يعتقد أن القسوة هي التي تصنعُ منه رجلاً، بل الرجل بمقدار ما يلينُ ويعطِف ويُكرم ويُدلِّل، وإن حُسْنَ العهدِ من الإيمان كما قال سيدنا!
مُخطئ من يعتقد أن النساء لا يمشين إلا بالصوت والسوط، بالحُبِّ وحده يمكن امتلاك المرأة، بالحُب وحده!

~~

أم حذيفة 04-05-2020 02:45 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

1⃣1⃣

ربِح البيع أبا يحيى!

كان الوقتُ قد حانَ للخروج من ضِيق الدَّعوة المكيَّة إلى سِعة الدولة المدنيّة، لقد تربُّوا فيها بما يكفي، وجازوا الامتحان الصَّعب، جعفرٌ خرج إلى الحبشة بمن معه مُؤثرين الدِّين على الوطن، وبلال مرَّغ كبرياء أمية بن خلف في التراب، وحمزة صفعَ أبا جهلٍ على وجهه، وعلي يفتدي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ويبيتُ في فراشه، وأبو بكرٍ يشتري رقيقَ المسلمين ويُعتقهم، ثم يسير رفقة صاحبه إلى المدينة إيذاناً ببدء مرحلةٍ جديدة ستُغيِّرُ وجه الأرض إلى الأبد!

لم تعُدْ مكة تُغري المسلمين بالبقاء فيها، حبيبهم في المدينة، وما يفعل المرءُ وحيداً دون محبوبه! بدأوا يخرجون واحداً تلو الآخر على غفلةٍ من قُريش، وها هو صهيبٌ يخرجُ قاصداً المدينة، غير أنَّ قُريشاً قد أحسَّتْ بخروجه فأرسلتْ في إثره نفراً يُعيدونه، فوقف قبالتهم وأخرجَ سهامه من كنانته، وقال لهم: يا معشر قُريش تعلمون أني أرماكم، واللهِ لا تصلون إليَّ حتى أرميكم بكل سهم معي، ثم أضربكم بسيفي ما بقيَ بيدي منه شيء!
فقالوا له: أتيتَنا صعلوكاً فكثُر مالك عندنا، ثم تُريدُ أن تخرجَ بنفسك ومالك، واللهِ لا يكون ذلك!
فقال: أرأيتم إن تركتُ لكم مالي هل تخلُّون سبيلي؟
قالوا: نعم

فدلَّهم على الموضع الذي خبَّأ فيه ماله بمكَّة، فتركوه يمضي في سبيله!
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم على علم بالحدث، جبريلُ ينقلُ إليه الواقعة، وينزلُ عليه بقول الله تعالى: "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد"!
ولما وصل صهيبٌ إلى المدينة، تلقَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بوجهٍ باسمٍ كأنه فلقة قمر، وقال له: ربح البيع أبا يحيى، ربحَ البيعُ أبا يحيى!

👈🏻ربحَ البيعُ لأنه التَركُ لله!
كل معصيةٍ تزينتْ لكَ، ولا يحول بينك وبينها إلا أنكَ ستتركها للهِ فاستشعر معها ربِحَ البيعُ، يُصبحُ التَّركُ وقتها لذةً أجمل من لذة الأخذ!
كل انتقام كان بإمكانك أن تنتقمه ولا يحول بينك وبينه إلا أنك ستتركه لله، استشعر معه ربحَ البيعُ، يُصبحُ العفو لذةً أجمل من لذة الانتقام!
كل مديون عجزَ أن يُسدد لكَ ما تبقى لكَ عنده، فآثرتَ أن تُسامح وتتصدَّق وتستر، بدل أن تفضحَ وتشكو، استشعرْ عندها ربِحَ البيعُ، ستُصبح لذة الصَّدقة أجمل من لذة استرداد المال!
كل مالٍ وضعته في يد فقير، وأنت تعلمُ أنك تضعه في يدِ الله أولاً، استشعرْ معه ربِحَ البيعُ، ستفوق لذة العطاء لذة الأخذ!
كل موقفٍ امتلأتَ فيه غضباً على زوجةٍ أو ولد، ثم استعذتَ باللهِ، وكتمتَ غيظكَ لوجه الله، استشعر معه ربِحَ البيع، ستصبح لذة العفو نصراً أجمل ألف مرةٍ من لذة أن تأخذ حقك بيدك!

~~~

أم حذيفة 04-06-2020 01:36 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

1⃣2⃣

✍بئس أخو العشيرة!

كل كلامه حكمة، وكل موقف له درس، وكل لحظة من لحظات عمره يجب أن تُدوَّن بحبر من ذهب على صحائف من فضة، هو الرجل الذي لا يوجد منه في تاريخ البشرية إلا نسخة واحدة، وهذه حكمة أخرى، ودرس آخر، ولحظة يجب أن تُدوَّن!

كان يوماً جالساً في بيت عائشة، فاستأذن رجلٌ في الدخول عليه، فقال:

اِئْذنوا له بئس أخو العشيرة!
فلما دخلِ عليه ابتسم في وجهه، وألانَ له الكلام، فلما غادر الرجلُ، قالت له عائشة: يا رسول الله: حين استأذنَ عليك قلتَ الذي قلتَ، ثم تبسَّمتَ له وانبسطتَ إليه!
فقال لها:
يا عائشةُ ! متى عهِدتِّنِي فحَّاشًا ؟ إِنَّ شَرَّ الناسِ عندَ اللهِ منزلةً يومَ القيامَةِ مَنْ تَرَكَهُ الناسُ اتقاءَ شرِّهِ(!)

👈🏻هذا درس بليغ في المُداراة! ويخلطُ الساذجون بين المُداراة والنفاق، وهذا خلطٌ مذمومٌ، وفهمٌ عقيمٌ لأدبيات التعامل مع الناس!
هناك تصرفات متشابهة قد تبدو لِلوهلة الأولى متطابقة، ولكن إذا ما تأملناها بعين الفراسة بدا لنا البون شاسعاً، وأن بينهما شعرةً رقيقة يا لحظ من أدركها فقد فهم الحياة!
👈🏻إن من يخلط بين المُداراة والنفاق كالذي يخلط بين البخيل والاقتصادي، وبين الجبان والحذِر، وبين المتهور والشجاع، وبين الوقح والجريء، وبين المُبذِّر والكريم!

▪قد يمنعك ظرف ما أن تقول للظالم أنه ظالم وهذه مُداراة، ولكن النفاق أن تصفق لظلمه!

▪ عدم قول الحق لا يعني الرضى بالباطل، الرضى بالباطل هو التصفيق له، والشد على يد أهله، على أنَّ الأصل هو قول الحق، ولكن الله أعلم بظروف العباد!

والأهم من هذا كله، احذر أن تكون أنت بئسَ أخو العشيرة!

أن يُداريك أبواك وينتقيا كلامهما معك خوفاً من سلاطة لسانك وسوء طبعك وقلة أدبك!
وأن تُداريك زوجتك لطول يدك!
وأن يُداريك أولادك لسوء خلقك!
وأن يُداريك جارك لأنه يعرف أنك كالعبوة الموقوتة لا أحد يعرف متى تنفجرُ في وجهه!
وأن يُداريك زملاؤك في العمل لأنك مؤذٍ وشرير لا يُؤتمن جانبك!
وأن يُداريك جلساؤك خوفاً من كلمة قد تصدر منهم عن أحدٍ فتحملها إليه لأنهم عهدوا فيك أنك تمشي بالنميمة بين الناس!

◻عندما يتحدث معك أبواك بأريحية، وتُجادلك زوجتك بأمان، ويُناقشك أولادك بسلام، ويتعامل معك جارك بتلقائية، ويتصرف معك زملاؤك ببساطة فأنتَ إنسان عظيم، وما كان هذا منهم إلا لأنهم علِموا حسن أخلاقك، المُهابُ أحياناً سيء الخُلق!

▪يُروى أن الخليفة المأمون نادى يوماً على غلامه ووجوه الناس وأعيانهم عنده، فلم يُجبه، فنادى ثانية فلم يُجبه، ثم في الثالثة خرج الغلام وقال: ما هذا القصر كلما غبتُ عنكَ ناديتَ يا غلام يا غلام!
فقبض المأمون على لحيته وصمت، وغطى الحاضرون وجوههم خوفاً من أن يضرب عنقه فيُصيبهم دمه! ولكنه رفع رأسه وقال: إن الملوك إذا حسنت أخلاقها ساءت أخلاق عبيدها، وإذا ساءت أخلاقها حسنت أخلاق عبيدها، وإني لا أشتري سوء خلقي بحسن أخلاق عبيدي!


1 - الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع

الصفحة أو الرقم: 7931 | خلاصة حكم المحدث : صحيح |

~~~

أم حذيفة 04-07-2020 12:44 AM

على منهاج النُّبُوَّة

1⃣3⃣

✍غارت أُمكم!

كان يقسِمُ المبيت بين نسائه، لكل واحدة منهنَّ ليلة، وكانتْ تلك الليلة ليلة عائشة، كان يجلس في بيتها وعنده بعض أصحابه الذين كانوا على موعد مع درس عظيم في الحياة الزوجية!

وتطبخ زينب بنت جحشٍ طعاماً، ولا تطيب نفسها أن تأكل حتى تطعمَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم منه، فتسكب له الطعام في صحنٍ لها، وتنادي على خادمها ليذهب به إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وهناك أصاب عائشة ما يُصيب الضرائر من الغِيرة، إنه بِعرفِ النساء اعتداءٌ على ليلتها، فتضرِب يد الخادم، ويقع الصحن وينكسر، وينسكبُ ما فيه على الأرض!

ضعْ نفسك مكانه! يا له من موقف محرج، زوجتك ترمي بصحنِ طعام أرسلته إليك زوجتك الأخرى أمام ضيوفك! لا شكَّ أنكَ قد شعرت بالإهانة، وأول ما ستفكر به أن تثأر لرجولتك، وستُعنِّفها أمامهم محاولاً أن تخبرهم بطريقة غير مباشرة أنك سيد البيت ولا ترضى بهذه المهزلة!
ولكن اُنظر إليه كيف تصرَّف، وتعلّم الدرس!

جلسَ على ركبتيه، وجمع أجزاء الصحن المكسور، ولملم الطعام عن الأرض، وقال لمن حوله مبتسماً: غارت أُمكم! ثم أبقى الخادم عنده قليلاً، ريثما تحضر عائشة صحناً بدل الذي كسرته وترسله مع الخادم إلى زينب!

حرب زوجية كانتْ على وشك أن تقع أطفأها بهدوئه واتزانه وفقهه، علِم أن المرأة تغار في مثل هذه المواقف، وأنها متى غارت تفقِد شيئاً من لياقتها وحسن تصرفها!

لم يُعنِّفها ليثبت رجولته، لقد أثبتها بطريقة أخرى، باستيعابه للموقف، باتزانه، وبرجاحة عقله!

إنّ الحياة تضعنا كل يوم أمام مشروع مُشكلة وقطيعة، ردُّ فعلنا هو الذي يجعلها مشكلة، أو يطفئ النار قبل أن تشتعل، ومخطئٌ من يظنُّ أن الحياة الزوجية ساحة حرب عليه أن ينتصر في كل معركة فيها، على العكس إن الحياة الزوجية لا تستمر إلا بالتغاضي، تغاضي الرجل وتغاضي المرأة، فلو وقفنا عند كل تصرف، ولو انفعلنا عند كل كلمة لأصبحت الحياة جحيماً لا يطاق!

ثم اُنظرْ إليه، إنه لا يتغاضى عنها فقط، وإنما يلتمسُ لها العذر، لقد كسرت الصحن بدافع الغيرة! لقد راعى طبعها، فالذي يريد أن ينجح في الحياة عليه أن يفهم طباع الناس، أن لا يعامل الزوجة بنفس العقلية التي يعامل بها صديقه، وأن لا يعامل أولاده بنفس العقلية التي يُعامل بها زملاءه في العمل، لكل فئة عمرية، وكل طبقة اجتماعية، طبع ومشاعر مختلفة عن الأخرى، والذي يتعامل مع الجميع بعقلية واحدة كالطبيب الذي يعالج جميع المرضى بدواء واحد!

الغضب يعمي العقل، فلا تتحاورا في لحظة غضب، فالحوار في لحظة الغضب كمحاولة رؤية الإنسان وجهه على صفحة الماء وهو يغلي، دع الماء يبرد ويصفو ثم اُنظرْ إليه، وهكذا هي الحياة الزوجية!

~~

أم حذيفة 04-08-2020 01:44 AM

على منهاج النُّبُوَّة

1⃣4⃣

✍ لكني أفقِد جليبِيباً!

كان جُليبيبُ دميم الوجه، قصير القامة، لا مال له! أي امرأةٍ تقبلُ بهذه المواصفات؟! لا حسن وجه يغطِّي على الفقر، ولا غنى يخفِّف شيئاً من الدمامة! كل ثروته في الحياة أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُحبه، ويا لها من ثروة، لو حازها المرءُ ما ضرَّه ما خسِرَ بعدها، فالمرءُ مع من أحبَّ!

ثم ارتأى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يبحثَ لجُليبيبَ عن زوجة، فقال لرجلٍ من الأنصار: زوجني ابنتك! فقال الأنصاري: نِعمَ عيني يا رسول الله!
فقال له: إني لستُ أُريدها لنفسي!
قال: فلمن يا رسول الله؟
قال: لجُليبيب!
فقال: حتى أُشاور أمَّها! فأتى زوجته، وأخبرها بالخبر، فقالتْ: لا واللهِ ما نُزوِّجه! فلمَّا أراد أن يقوم ويُبلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرارهما برفض جُليبيب، قالت لهما البنت: من خطبني منكما؟
فقالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت: أتَرُدُّون أمرَ رسول الله، قبلتُ، ولن يُضيِّعني الله!
وتمَّ الزواج، ثم كانت غزوة، وكان من عادة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا انتهتْ المعركة أن يقول: هل تفقدون أحداً؟ فقالوا: لا يا رسول الله
فقال: لكني أَفقِدُ جُليبيباً،
فابحثوا عنه بين القتلى!
فبحثوا عنه، فوجدوه إلى جانب سبعةٍ قد قتلهم، ثم قتلوه، فقالوا: ها هو يا رسول الله!
فأتاه، ووقف عند رأسه وقال: قتلَ سبعةً وقتلوه، هذا مِنِّي وأنا منه، هذا مِنِّي وأنا منه! ثم وضعه على ساعده ريثما يُحفر له قبر، فلما انتهوا، أنزله في قبره.

يُحسبُ للبنت أنها قبِلتْ طلب رسول الله وإن خالفَ هواها، ولكن هذا لا يُلغي أن من حق البنت أن تشترط الوسامة أو شيئاً منها في الذي ستتزوجه، وقد كان عمر بن الخطاب يقول: لا تُكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح، فإنهنَّ يُحببنَ ما تُحبون! وليس في هذا لا قلة أدبٍ ولا قلة دين، بالمناسبة عندما وافقتْ البنت على الزواج من جُليبيب، دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم لها وقال: اللهمَّ صُبَّ الخير عليها صباً ولا تجعل عيشها كداً كداً! فكانتْ من أكثر النساء مالاً بعد جُليبيب!
أيضاً من حق الأهل أن يختاروا لبناتهم الأفضل وظيفةً وتعليماً، صحيح أننا أُمرنا أن نبحث عن الدِّين أولاً، ولكن إذا اجتمعتْ كل الصفات فنورٌ على نور، وهؤلاء صحابة، ولو رفضوا تزويج ابنتهم لجُليبيب ما أجبرهم النبي صلَّى الله عليه وسَّلم، ولا غضبَ منهم، لكل أُسرة معاييرها، فاحترموا معايير الناس!
على أهمية الشكل والأناقة والمال، إلا أنه هناك فارق شاسع بين البحث عن هذه الأشياء حين الارتباط، وبين جعلها معياراً للتفاضل بين الناس، ليس بالضرورة أن الأغنى هو الأفضل، فقد خسفَ الله بقارون الأرض، وليس صاحب المهنة مُستقبحاً وقد كان زكريا عليه السلام نجاراً. وكم من وسيم سيدخل النار، وكم من دميم هو من أهل الجنة! أن لا نقبل الارتباط بصفات دنيا شيء، وأن نحتقر الناس شيء آخر، الأمر أشبه بأنك تريدُ لابنك وظيفةً غير كناسٍ للطريق، ولكنك بالمقابل لا تحتقر كنَّاس الطريق!

أم حذيفة 04-09-2020 12:42 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

1⃣5⃣

✍ لا تبرحوا أماكنكم!

خرجتْ قريش من غزوة بدر مثخنة، ومرَّغ الإسلام كبرياءها في التراب، وقتل أبرز رؤوس الكفر فيها، لهذا لم تكن غزوة أُحد مجرَّد جولة ثانية من صراع الحق والباطل، كانتْ بالنسبة إلى قُريش تعني الثأر، أما المُسلمون فقد كانوا على موعد مع واحد من أبلغ الدروس في تاريخ الإسلام!

لاحظَ النبي صلى الله عليه وسلم ميمنة جيش قريش بقيادة خالد بن الوليد، فخشِي أن يلتفَّ بفرسانه من وراء الجبل ويصبح المسلمون بين فكَّي كماشة، فوضع سبعين من الرماة على الجبل، وأصدر إليهم أمراً عسكرياً واضحاً:
لا تبرحوا أماكنكم، إن رأيتمونا نُهزم فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا ننصر فلا تُشاركونا!

وبدأت المعركة، وأبلى المسلمون بلاءً حسناً، وذاقتْ قُريش بعض الذي ذاقته في بدر، فرَّ جنودها، وتبعهم المسلمون، ثم ظنَّ الرُّماة على الجبل أن الأمر انتهى، فنزلوا يُريدون الحظ من النصر والغنائم! عندها حدث ما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يخشاه، التفَّ خالد بفرسانه وصار المسلمون بين فكَّي كماشة، وتحوَّل نصرهم إلى هزيمة، وتعلَّموا الدرس البليغ:

هذه الأُمة لن تُحقِّق النصر ما لم تلتزم بأوامر نبيِّها وقائدها!

فإن كانتْ غزوة أُحد قد انتهتْ فإنَّ مهمة الرُّماة الذين يحفظون ظهور المسلمين لم تنتهِ بعد، فطوبى للمُدافعين عن هذا الدين كل في مجاله، طوبى للقابضين على الجمر رافضي الانحناء والتلوُّن، كلما وهنوا قليلاً تعزّوا بصوت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يُنادي فيهم: لا تبرحوا أماكنكم!
فلا تبرحوا أماكنكم!

الأمهات اللواتي يربين أولادهن على الصلاة والصيام والأخلاق، أنتنَّ تحمين ظهورنا فلا تبرحن أماكنكن!

الآباء الذين يسألون أولادهم عن جزء عمَّ كما يسألونهم عن علاماتهم المدرسية، أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!

المُدرِّسون الذين يُؤمنون أنَّ هذا الجيل إذا تربَّى جيداً يُمكن أن يخرج منه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي مرة أخرى، أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!

المُوظفون الذين يُؤدون أعمالهم بمهنية وضمير، ويُراقبون الله قبل مدرائهم أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!

المهندسون الذين يُشيِّدون الجسور ويشقون الطُرُق دون غش واحتيال وصفقات مشبوهة أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!

فتيات الحجاب والعفة اللواتي يربين أنفسهن استعداداً لتربية أولادهن أنتن تحمين ظهورنا فلا تبرحن أماكنكن!

شباب صلاة الفجر، ومجالس الحديث، ودُور القرآن، أنتم ترسانة الإسلام الأفتك والأقوى، فلا تبرحوا أماكنكم!
كل واحد فينا لو تأمَّل موضع قدميه لاكتشف أنه جندي لأجل هذا الدين، وأنه لو حارب بشراسة وأمانة فإنه سيسد ثغراً هاماً، ويدفع خطراً عظيماً، كل واحد منا في مكان وضعه الله فيه، وألقى على كتفه مسؤولية وأمانة، فلا تبرحوا أماكنكم!

~~

أم حذيفة 04-10-2020 07:32 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

1⃣6⃣

✍إنما أنا شافع!

كانتْ "بريرة" عبدةً مملوكة لأُناسٍ من الأنصار، وكان لها زوج اسمه مغيث، واشتاقتْ نفس بريرة للحرية فكاتبت أسيادها لأجل إعتاقها، وبعد أن تمَّتْ المكاتبة، وسدَّدتْ بريرة ثمن حريتها، كان أول قرار اتخذته أن تفارق زوجها مغيثاً! فالشرعُ يعطي الأَمَة خيار أن تبقى مع زوجها أو تفارقه إن هي تحرَّرتْ وبقيَ هو عبداً، وقد اختارتْ بريرة أن يكون فِراقاً!

وكان مغيث يُحبها حباً جماً، ويمشي خلفها في طرقات المدينة يستعطفها أن ترجع إليه فلا تلتفتُ له!

وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يسير في الطريق رفقة عمه العباس فرآهما على هذه الحال، فقال لعمِّه: يا عباس ألا تعجب من حب مغيثٍ بَريرة ومن بغض بريرة مغيثاً؟
وعندما يئِس مغيث من عودة بريرة إليه قصدَ النبي صلى الله عليه وسلم ليكلِّمها أن ترجع إليه، فأرسل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في طلب بريرة وقال لها: يا بريرة لو راجعته فإنه زوجكِ وأبو ولدكِ

فقالت له: يا رسول الله تأمرني؟
فقال: إنما أنا شافع
فقالت: لا حاجة لي فيه!

من ناحية دينية فإن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو نبي هذه الأمة، ومن ناحية سياسية فإنه رئيس الدولة، ورغم هاتين المكانتين الساميتين لا يردُّ عبداً مملوكاً طلب منه خدمة! فهل مشينا نحن في حاجة ضعفاء المسلمين وفقرائهم أم تذرَّعنا بانشغالنا تارة، وبأنهم ليسوا على قدر مقامنا تارةً أخرى، ناسين أو مُتناسين أن كلنا لآدم وآدم من تراب!

وانظر لأدب بريرة لو أمرها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن ترجع إلى مغيث فإنها كانت سترجع رغم إنَّ رجوعها على غير هواها، فهل قدَّمنا شرع الله وأوامر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على أهوائنا ومشاعرنا ورغباتنا، هل فعلنا الحلال الصعب على النفس، وتركنا الحرام الذي نميل إليه بنزعتنا الإنسانية لا لسببٍ سوى أن الله ورسوله أرادا أن نفعل ففعلنا وأن نترك فتركنا؟!

أنتَ مأجور على سعيك للإصلاح بين الناس ولو لم يتم الصلح، نحن لن نُحاسَب على النتائج إنما سنحاسب على ما فعلناه، ثواباً للخير ووِزراً للشر بغض النظر أثمر الخير أم لا، وآذى الشر أم لا، فلا يقُل لك الشيطان لا تمشِ في الصُّلح بين فلان وفلان لأنهما لن يقبلا وساطتك! ما ضرَّك إن لم يقبلا، لا تأخذ الأمر على محمل شخصي

هذا نبيُّ الأُمَّة لم تقبل امرأة كانت بالأمس مملوكة شفاعته، فلم يغضب ولم يحمل عليها!

هذا الدين كرَّم النساء، واحترم رغبات قلوبهنَّ، امرأة لا تُريد رجلاً فلم يُجبرها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عليه، فعندما ترفضُ ابنتك عريساً فلا تُجبرها عليه، لأنَّ في هذا ظلم لها وله! وفيه عدم حفظ أمانة فالله سبحانه وضع ابنتك عندك أمانة وهو ينظر إليك ما تفعل بهذه الأمانة، فالله الله في قلوب النساء!

أم حذيفة 04-11-2020 02:23 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

1⃣7⃣

✍أومخرِجِي هم؟!

كانت الارض غارقةً بالضلال حتى أخمص قدميها، اللهُ يخلقُ ويعبد غيره، ويرزقُ ويُشكرُ سواه، أعراضٌ تُنتهك، وبنات توْأَدُ، وأُناس يُباعون في الأسواق! ثم شاء الرحيم أن يتلطَّفَ بالبشرية!

على مرمى سهم من الكعبة التي تعج بالأصنام، كان هناك رجل وحيد في غار حراء يتأمل السماوات والأرض، و يَعرفُ أنَّ دينَ قريشٍ باطل، و أنّ الله أجلُّ وأعلى من أن يرضى ديناً كدينها! كان مهيأً بإتقان ليستلم لواء البشرية و يغيِّر وجه العالم، ثم حانت اللحظة، وأُوقِدت أول شمعة في ظُلمة الأرض "إقرأْ"!

ويا لهول الوحي، ويا لرهبة الموقف! وينزل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بيته مرتجفاً يقول: دثِّروني، دثِّروني!

وعند خديجه المرأة التي لا يوجد منها في تاريخ البشرية إلا نسخة واحدة، يتلقَّى الحبيبُ أول سلوى! ضمَّته إلى صدرها،
وقالتْ له بقلبها على هيئة كلمات: واللهِ ما يخزيك الله ابداً، إنك لتصِلُ الرَّحم، وتصدُقُ الحديث، وتحملُ الكلَّ، وتكسب المعدوم وتُقري الضيفَ، وتُعين على نوائب الحق!

ثم أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان رجلاً طاعناً في السن والحكمة، عالِماً بالتوارة و إلانجيل، حنيفاً على مِلَّةِ إبراهيم عليه السلام، وقالتْ له اسمع من ابن اخيك!
فلما حدثه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بما كان بينه وبين جبريل، أخبره ورقة أن هذا هو الوحي الذي كان يأتي الأنبياء من قبله، وأنه سيكون النبيَّ لهذه الأمة! ثم قال له قولة الحكيم الذي يعرف سنَّة الله في الناس، وصراع الحق و الباطل على مرَّ التاريخ: ليتني فيها جذعاً، ليتني أكونُ حياً إذ يُخرجكَ قومُكَ!
فيسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم بدهشة:

👈🏻أومُخرِجيَّ هُمْ؟!
فقال له: نعم، لم يأتِ رجلٌ بمثلِ ما جئتَ به إلا عوديَ!

وكأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يومها يسأل: لمَ سيُخرجونني؟ ما الذنبُ الذي اقترفته، وما الجريمة التي ارتكبتها، أيُّ مالٍ أخذتُ، وأيُّ دمٍ سفكتُ حتى يُحال بيني وبين وطني!
ثم دارت الأيام، وأخبرتنا سيرته، أنه ما عودِيَ إلا لأنه جاء بالحقِّ، والحقُّ أثقل على الطغاة من
الجبال!

👈🏻ونحن اليوم بضعة منه، وبقية رسالته، وما تكالبتْ علينا الأمم إلا للحقِّ الذي معنا، وما أثقله عليهم!
فكلَّما ضاقتْ عليكم، كلَّما رأيتم البلاد تحاصر، والصورايخ تهدِم البيوت وتحصدُ الأرواح، كلما رأيتم الإعلام قذراً يريد أن يطفئ شمعتكم، ويُحرِّض عليكم، ويرميكم بِتُهمِ الإرهاب والرجعية والتخلُّف تعزُّوا بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم!
تخيلوه نازلاً من غار حراء يرتجفُ من هول الوحي، مُحاصَراً في شِعب أبي طالب، مرجوماً في الطائف، ممنوعاً من دخول مكة، مُتآمراً عليه ليُقتل ويتفرق دمه بين القبائل، مُطارَداً يوم الهجرة، مَاسحاً الدم عن وجهه يوم أُحد، شاكياً سُمَّاً دسَّته له امرأة يهودية، كم تعبَ ليكون لكم دين، فعُضُّوا عليه بالنواجذ!

~~

أم حذيفة 04-12-2020 01:42 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

1⃣8⃣

✍إنها جرَّتْ بالرَّحى!

شكتْ فاطمة ريحانة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى عليٍّ تعبها من عملها في البيت، فأخبرتْهُ أنها جرَّتْ بالرَّحى حتى أثَّرتْ في يدها، واستقت بالقِربة حتى أثَّرتْ في عنقها، وكنستْ البيت حتى اغبرَّتْ ثيابها!
فقال لها: لقد جِيء لأبيكِ بِسبي، فلو ذهبتِ إليه وسألتِهِ خادماً! فذهبتْ فاطمة إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فوجدتْ عنده أُناساً، فلم تُحدِّثه أمامهم، ولكنها أسرَّتْ لعائشة بسبب مجيئها، وعادت إلى بيتها!
فلما انفضَّ مجلس النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، أخبرته عائشة بسبب مجيء فاطمة، فذهب إلى بيتها، وكانت وعلي قد أخذا مضجعهما للنوم، فاستأذن ثم دخل
فقال: ألا أدلّّكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أخذتما مضاجعكما، فكبِّرا ثلاثاً وثلاثين، وسبِّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم!

هذه فاطمة سيدة نساء العالمين، وقطعة قلب أبيها، تطحن الحبوب بالرحى حتى تترك الرحى أثرها في يدها، وتحمل الماء إلى بيتها بالقرِبة حتى تترك القِربة أثرها في عنقها، وتكنس بيتها حتى يكسو الغبار ثيابها، فهل أنقص هذا من قيمتها عند زوجها، أو عند أبيها، أو عند ربها؟!

طبعاً لا شيء في أن تحصل المرأة على خادمة تعينها على عمل البيت، فهو والله عمل شاق صعب! ونبيلٌ هو الزوج الذي يكون في سعة مادية، وبحبوحة اقتصادية، فيحضر لزوجته خادمة تساعدها، والأنبل هو الأب الذي نظر في حال ابنة له، فرق لها وأحضر هو لها الخادمة، على أنَّ هذا لا يلغي أن عمل البيت هو واجب الزوجة، تماماً كما واجب الزوج العمل خارجه والإنفاق عليها، بل وإِعانتها في أعمال البيت أيضاً لأنَّ هذا من العشرة بالمعروف!

ولكن مما ٱبتلينا به في هذه الأيام هذه الأصوات الناعقة التي تحاول باسم حرية المرأة أن تهدم البيوت القائمة على الستر، وتمشية الحال بما هو متاح! وتصوير عمل المرأة في بيتها نوع من أنواع الرق، وإهانة النفس البشرية! ولست أدري أين الإهانة في أن تطعم الزوجة عائلتها من صنع يدها، وأن تغسل ملابسهم، وتنظف بيتها!
إن قيل أن الأمر شاق وصعب، فهذا نبصم به بالأصابع العشرة، ولكن هذه هي الحياة، لكل إنسان دوره، ولكل عمل مشقته! أما طرح الموضوع وجعله عبودية، وإهانة للمرأة فهذه دعوى سخيفة! إن حرية المرأة ليست بتجريدها من فِطرتها في أن تكون أماً وزوجةً وربة منزل، وإنما بتقدير وتبجيل ما تقوم به، كلاماً وفعلاً، كلاماً حلواً، وإشادة بدورها وأهميته، بهدية بين الحين والآخر، بضمة، وقبلة جبين ويد!
لم تكن فاطمة رقيقة ولا ممتهنة الكرامة وإن كانت تتعب في عمل بيتها، ولم يحضر لها علي خادمة لأنه أراد أن يتعبها وإنما لأنه لا يملك المال، ولم يعطها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم خادمة لأنه عادل ولو أعطاها لكان عليه أن يعطي كل امرأة في المدينة مثل ما أعطى ابنته!

افخرن بأنفسكنَ، أنتن اللواتي لولاكن ما كانت البيوت وما استمرت، واستشعرن الأجر في كل عمل، فإذا كانت اللقمة التي يضعها الزوج في فم زوجته صدقة، فكيف بالتي تطبخ لتطعم عائلة، وتغسل لتكسوها!
وأنتم معاشر الرجال، لا تكونوا والدنيا عليهن، أعينوهنَّ، ليست منقصة أن تجلي صحناً عنها، ولا سبة أن تجمع لها الغسيل، وقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حاجة أهله يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، وهو سيد الرجال!

~

أم حذيفة 04-13-2020 12:14 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

1⃣9⃣

✍من دخلَ دار أبي سفيان فهو آمن!

حاولتْ قريش أن تثنيه عن دعوته فلم تفلح، لا الترغيب آتى أُكله، ولا الترهيب أثمر! ولأنَّ العربَ تقولُ: آخرُ العلاج الكي!
حزمت قريش أمرها على قتله! خطة محكمة، من كل قبيلةٍ رجلاً ليتفرق دمه بين القبائل، فيعجز بنو هاشم عن الأخذ بالثأر ويرضون بالدية! ولكن النبيَّ المحفوف بالعناية الإلهية أُوحي إليه أن يتركَ علياً في فراشِه تلك الليلة ويصحب أبا بكرٍ خلسةً تحت جنح الظلام في هجرةٍ غيرتْ وجه الأرض إلى الأبد!

👈🏻ودارتْ الأيام، الرجل الذي نزل يوماً وحيداً من الغار صار أُمة، عنده جيش يأتمر بأمره، وأصحاب يفدونه بالعيون والمهج، تغيرت موازين القوى في بضع سنين، وها هو اليوم على أعتاب مكة يوشك أن يدخلها في وضح النهار!
ما جاء للثأر، ولكن على هذه المدينة أن تستردَّ هويتها، وعلى البيت المعمور أن يلفظ أصناماً غزته ذات شِركٍ وجاهلية!

▪وقبل الدخول إلى مكة، قال العباس للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فلو جعلت له شيئاً!

فلمَّا دخل مكة، أمر المنادي أن يقول: من دخلَ الكعبة فهو آمن، ومن دخلَ داره فهو آمن، ومن دخلَ دار أبي سفيان فهو آمن!
لم تكن هذه الجملة إلا استمالةً لأبي سُفيان وإلا ما حاجة أحدهم لدخول دار أبي سفيان ما دام بإمكانه أن يدخل داره هو ليكون آمناً!

درس عظيم من دروس الحياة مفاده: أعطِ الناس ما يحبون أن يعطى إليهم، ما لم يكن في هذا العطاء إثماً، لأن هذا أثبت للود وتأليف للقلوب!

البشر مُتشابهون في الشكل فقط، أما من الداخل فنحن طبائع شتى!

مِن الناس من إن لم تُجلسه في صدر المجلس لشعر بالإهانة، ومنهم من لا يهتم حيث يجلس!

من الناس لو أرسل إليكَ منشوراً ولم تعلِّق عليه لغضبَ منك، ومنهم من يرسل الأشياء رغبة في مشاركتها ولا يهمه إذا علقتَ عليها أم لم تُعلِّقْ!

من الناس من يحب أن تمدحه في حضور الآخرين، ومنهم من يشعره هذا بالخجل ويتمنى أن لا تفعل!

من الناس من إذا مازحته مزحةً لغضبِ منكَ وأشعلَ حرباً ولو حاولت أن تسترضيه بعدها لشقَّ ذلكَ عليكَ لصعوبة عقله وضيق صدره، ومنهم من إذا أغضبته فعلاً، وجئت تسترضيه لرضي فوراً!

من الناس من إذا غبت عنه يومين ثم التقيتما لعاتبك لأنك لم تسأل عنه، ومنهم من إذا فارقته سنةً ثم لقيكَ لم يشعرك بتقصيرك ولأشعرَكَ أنكما كنتما البارحة معاً!

اِفهمْ طباع الناس من حولك، وتعامل معهم حسب طباعهم، وتذكَّرْ أن الأطباء لا يُعالجون جميع المرضى بدواء واحد، الدواء يكون من جنس المرض، وكذلك المعاملة مع الناس، وفهم طباعهم ومعاملتهم على أساسها أريح لك ولهم!

~

أم حذيفة 04-13-2020 11:55 PM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

2⃣0⃣

✍مَنْ فجعَ هذه بولدها؟!

كانوا على سفرٍ معه، وأي شيءٍ في الكون أروع من أن تسافر معه، أن تراه يمشي أمامك وبِوِدك لو فرشت له قلبك بساطاً أحمر كما يليق بحذائه أن يطأ! وأن تنظر في وجهه عن قرب فتتمنى أن لا ترمش كي لا يغيب الوجه الشريف عنك جزءاً من الثانية! وأن تسمع صوته فتتمنى لو أن الكون كله يخرس فلا يعكر صفو صوته شيء، ثم ناهيك أن تقف وراءه في الصف ليصلي بك، طوبى لهم!
ويحدثنا ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم تركهم يومها وذهب لبعض حاجته، فرأوا حُمَّرةً معها فرخان، فأخذوا فرخيها، فجعلتْ تُحلِّقُ فوقهم وتصفِّق بجناحيها، أُم ثكلى بفقد أولادها،
ثم جاء النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال: من فجعَ هذه بولدها؟ رُدُّوا ولدها إليها!

يا له من دين، ويا لها من شريعة، ويا له من نبي لا يرضى أن يكسر خاطر عصفورة! ثم إنَّ الحب اتباع، والاتباع العمل، والحب الذي ينقصه الاتباع والعمل حب ناقص مهما ادعينا كماله، وقد قال شاعرنا:
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيعُ!

إنَّ الذي يحرم زوجته من أبنائها لخلافٍ وطلاق عليه أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يرض أن تفجع عصفورة بأولادها لن يرضى أن تفجع أم بأولادها!
إنَّ جبر القلوب مقدَّم على جبر العِظام، لأن كسر القلوب أشدُّ ألماً، وكسر العظام سرعان ما يلتئم، أما كسر القلوب فيبقى أبد الدهر، وإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرض أن يفجع أحدٌ أحداً!
الكلمة التي تقولها في مجلس ضد أحد لتضحك الآخرين عليه تنغرس في قلبه عميقاً، وينفضُّ المجلس، وينتهي الضحك، ويضع رأسه على وسادته حزيناً ولربما لم ينم ليلته تلك لأجل أنَّ حضرتك أردتَ أن تتسلى!

جبر الخواطر عبادة، كالصيام والصلاة تماماً
ابتسامتك في وجه مسكين بالنسبة إليك مجرد ابتسامة لا تكلف شيئاً ولكنها بالنسبة إليه هدية عظيمة قد تصنع يومه كله، وتشعره بإنسانيته وقيمته التي سلبته قسوة الحياة شيئاً منها!
زيارتك لموظف مسكين عندك نزل به مرض هي بالنسبة إليك مجرد دقائق معدودة ولكنها بالنسبة إليه عطاء فخم، وثروة مهولة!
جرب أن تسأل عاملاً بسيطاً عن سبب تغيبِه البارحة عن العمل وتأمل مقدار السعادة في عينيه، ثمة أشياء لا تكلِّف كثيراً ولكنها تعني كثيراً!
إسعاد الآخرين لا يحتاج إلى ثروة ضخمة بقدر ما يحتاج قلباً عظيماً، وإتعاس الآخرين لا يحتاج سيفاً مُسلَّطاً، ولا لكمة قوية، ولا صفعة شديدة، كلمة واحدة فقط قد تكون أكثر إيلاماً من ضربة سيف، فلا تفجع أحداً بنفسه!

أم حذيفة 04-15-2020 03:49 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

2⃣1⃣

✍ ما ضرَّ عثمان ما فعلَ بعد اليوم!

كانتْ غزوة تبوك اختباراً عظيماً للمسلمين، ليس لأنها كانت غزوة مفصلية في تاريخ الإسلام فهي لم يحدث فيها قتال أساساً! وإنما كانت اختباراً عظيماً لأن الظروف وقتها كانتْ كلها بخلاف هوى النفوس، وبعكس الفِطرة التي فطر الله سبحانه الناس عليها، فالفصل صيف، والصحراء في الصيف لظى! الشمس حارقة والرمالُ ملتهبة! ناهيكَ أن المسير طويل فهي الغزوة الأبعد في تاريخ غزوات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فالمسافة بين المدينة وتبوك تقريباً 630 كلم! وما زاد الطين بلة هو أن بيت المال كان وقتها فارغاً فلم يكن النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يملك المال لتجهيز الجيش لذلك عرف ذاك الجيش في كتب السيرة (بجيش العُسْرَة) !
وكان من الطبيعي والأمر كذلك أن يحُثَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أغنياء المسلمين على الإنفاق لتجهيز الجيش، فجادوا ولم يقصّروا،

🍂غير أنَّ تلك الغزوة كانت غزوة عثمان بن عفان بامتياز، فعثمان الثري علِمَ أن الوقت وقته، وبيقين المؤمن الذي يعرف أنه وما يملكُ لله، تبرَّع للجيش بتسعمئة بعير، وخمسين فرساً، وحملَ ألفَ دينار وتوجهَ إلى المسجد حيث كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جالساً يستقبل مُساهمات الأغنياء، فنثرها في حِجره!
👈🏻 فجعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقلِّب دنانير عثمان بين يديه ويقول: ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم!

🍂 الفكرة أن أسمى عبادة هي تلك التي تكون من جنس النعمة!
قيام الليل نافلة عظيمة، ولكن عبادة الأغنياء الأسمى ليست في قيام الليل وإنما في الصدقة، وإعانة المساكين، ومساعدة المديونين، والإنفاق على دور التحفيظ!
وصيام التطوع نافلة عظيمة، ولكن عبادة الأئمة الأسمى هي في قول الحقِّ ولو على قطع الرقبة، فإنَّ الناس إذا وقعت الفِتن، والتبس الحقُّ بالباطل، نظروا إلى علمائهم ليروا رأيهم، ويصطفوا باصطفائهم، وإن وقوف الإمام أحمد في وجه المأمون، ومن بعده في وجه المعتصم في فِتنة خلق القرآن أهم وأعظم من صيام ألف يوم تطوع، لأنه بكلمة الحق التي قالها حَفِظَ دين وعقيدة ملايين المُسلمين!
إنشاء الطرق للناس، وتأمين الرَّفاه الاقتصادي، ومجانية الاستشفاء والتعليم عمل نبيل من الحاكم تجاه شعبه، ولكنَّ عبادة الحاكم الأسمى هي في تحكيم شرع الله، والدفاع عن حُرمات المسلمين وديارهم!
إقامة مستوصف يُعالج الناس بالمجان عمل نبيل تُرفع له القُبعة، ولكن عبادة المفكرين والأدباء الأسمى هي تنوير عقول الناس، والدفاع عن عقيدتها، والذَّود بالحبر عن حياضِها، ففي الملمَّات يُوازي حبر الأدباء دماء الشهداء إن كتبَ حقَّاً، وقال حقَّاً!
ٱنظر إلى النِّعمة التي أعطاك الله إياها، تأمَّلْها جيداً، تعرِف العبادة الأسمى لكَ!
إن كنتَ غنياً لا تكنز مالك وتعزِّي نفسك بنوافل العبادات، ما يُقبل من الفقير لا يقبل من الغني! وإن كنت صاحب محراب ومنبر لا تخف برأيك وتعزِّي نفسك بعدد المصلِّين وراءك، إن الأئمة كالمظلات للناس والناس لا يحتاجون المظلات إلا وقت العواصف والمطر! وإن كنتَ صاحب فكر وقلم، فلا تعزِّي نفسك بعدد قرائك ونسخك التي تبيعها، عبادتك الأسمى أن تقول ما يجب أن يُقال، أن تكون لصيقاً بهموم أمتك، لا تكن مهرِّجاً كالداعية الذي يوم كانت تقصف غزة وحلب كان يحدثنا عن حكم المسح على الخفين!

~~

أم حذيفة 04-15-2020 08:40 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

2⃣2⃣

✍تعلَّمْ لي كتاب يهود!

لمَّا قَدِمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم المدينةَ المنورة، جاء بنو النجار بِزَيد بن ثابت إليه، ولم يكن يومها قد تجاوز السادسة عشرة من عمره، فقالوا: يا رسول الله، هذا زيد بن ثابت، يحفظ من القرآن ما يسرُّكَ! فاستقرأه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقرأ له سورة "ق"، فأُعجب به، ولاحظ فيه ذكاءً وقاداً، وعقلاً مُنيراً، فقال له: يا زيد، تعلَّم لي كتاب يهود، فإني واللهِ ما آمنُ يهودَ على كتابي!
فما مضتْ خمسةَ عشر ليلة إلا وقد تعلَّمَ زيدٌ العبرية! فكان يكتب للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم إليهم، ويقرأ له رسائلهم إذا كتبوا إليه!

نحن لا نعيش وحدنا على ظهر هذا الكوكب، هناك شعوب وثقافات وحضارات ولغات أخرى نحتك بها، ونتواصل معها، ومعرفة هذه الثقافات، وإتقان تلك اللغات ضرورة حياتية وليست ترفاً فكرياً! على أنَّ إتقان تلك اللغات لأجل التواصل وتسيير أمور الحياة شيء، وإتقانها لأجل التباهي شيء آخر!
اللغة الإنكليزية اليوم هي لغة العلوم، وبها يدرس أغلب طلابنا خصوصاً في الاختصاصات العلمية، وتحصيل هذه الاختصاصات واجب، وتعلُّم الإنكليزية واجب على الطلاب الدارسين لأنَّ ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب!
هذا حدُّ الموضوع لا أكثر، أما أن يتحدَّثَ عربيٌّ مع عربيٍّ ويضع بين كل كلمتين عربيتين كلمة إنكليزية أو فرنسية من باب التباهي، فهذه فيها من المياعة، والانهزام الثقافي والحضاري، أكثر مما فيها من العلم! هذا في حالة كان المتحدِّثان العربيان يُتقنان الإنكليزية، أما فعل هذا مع العوام ففيه شيء من الاستعلاء والغرور!

الذكاءات مُتعددة، هذه حقيقة تربوية لا جدال فيها، من الطلاب من لديه ذكاء لغوي رهيب ولكنه ضعيف في الرياضيات، ومنهم من هو عبقري في حل المسائل الفيزيائية، أو التعامل مع المعادلات الكيميائية، ولكنه لا يستطيع أن يحفظ فقرة من عشرة أسطر إلا بشق النفس! ومنهم من يجد حفظ عشر صفحات أيسر عليه من حساب مساحة مستطيل!
ودور الأهل والمدرسة معرفة المجال الذي يبرع فيه الطالب ثم توجيهه إليه، وهذا ما فعله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالحرف، فعندما لاحظ ذكاء زيد بن ثابت اللّغوي طلب منه أن يتعلَّم العبرية فتعلَّمها في وقتٍ قياسي! والشيء بالشيء يُذكر، يقول ابن كثير في البداية والنهاية: كان زيد بن ثابت من أشد الناس ذكاءً، تعلَّمَ لسان يهود في خمس عشرة يوماً، وتعلَّم الفارسية من رسول كسرى في ثمانية عشر يوماً، وتعلَّم الحبشية والرومية والقبطية من خُدَّام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم!

أفهمُ جيداً رغبة الأهل في أن يكون أولادهم أطباء ومهندسين، ولكن على الأهل أن يفهموا أن إجبار الأولاد على اختصاصات لا يجدون أنفسهم فيها هي ظلم لهم! ما أدراك لو أنه درس ما يميل إليه ويبرع فيه لفاقَ ألف مهندس وطبيب! تخيَّلوا لو أُجبر المتنبي أن يدرس الطب ويترك الشِّعر، حتماً لم تكن لتفرق كثيراً لو ازدادت البشرية طبيباً، ولكنها فاجعة لو خسرنا المتنبي!

~

أم حذيفة 04-17-2020 01:07 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

2⃣3️⃣

✍اِعلَمْ أبا مسعود!

جاءَ بشريعةٍ مُتكاملة، وأرسى قوانين كثيرة، غير أنه كان يُريدُ من هذه الأُمَّة أن تعبد الله كأنها تراه، أن تفعل الخير طمعاً في المثوبة، وأن تترك الإثم خوفاً من الله لا خوفاً من الحدِّ أو القانون. وما يُسمِّيه علماء السلوك الاجتماعي اليوم 👈🏻"بالانضباط الذاتي" هو ما أخبرنا عنه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قبل ألف وأربعمئة سنة مُجيباً جبريل على سؤاله:
👈🏻ما الإحسان؟ فقال له: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك!

يُحدِّثنا أبو مسعود البدري يقول: كنتُ أضرِبُ غلاماً لي بالسوط، فسمعتُ صوتاً خلفي: اِعلَمْ أبا مسعود! فلم أفهم الصوت من الغضب!
فلما دنا مني فإذا هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فألقيتُ السَّوط من يدي!
فقال لي: اِعلَمْ أبا مسعود أنَّ الله أقدرَ عليكَ منكَ على هذا الغلام!
فقلتُ: واللهِ لا أضربُ مملوكاً بعده أبداً، وهو حرٌّ لوجه الله
فقال: أما لو لم تفعل لمستكَ النار!

👈🏻ثمّة أشياء لا يحاسِب عليها القانون، ولا تعتبر في عرف المحاكم لا جرائم ولا جنَحاً، ولكن الله يرى، والملائكة تكتبُ، والمحكمة غداً، حين تُنشرُ الكتب التي لا تُغادر صغيرة ولا كبيرة!

▪إنَّ الزوجة التي تُسمعها كلاماً لاذعاً كالسياط لن تشكوك إلى المحاكم، وإنْ فعلتْ فلن تجد من القُضاة آذاناً صاغية، ولكن الله سبحانه وتعالى سمع شكواها، ورأى جرح قلبها وهو أقدر عليك منكَ عليها!
▪إن العامل البسيط الذي لم تدفعْ له حقه لن يجرؤ أن يقترب من مركز الشرطة ليشكوك، وربما إن تجرَّأ وفعل فستنجو منها وأنتَ صاحب العلاقات والواسطات، ولكن الله سبحانه قد علِم مظلمته، وسمعَ دعواه، وهو يجيب دعوة المظلوم الكافر على الظالم المُسلم لا حباً بالكافر، ولا بغضاً بالمسلم، ولكن حُباً بالعدل وبُغضاً بالظلم! فما بالك لو كان المظلوم مُسلماً، فسجدَ ثم قال: اللهم إني مغلوب فانتصر! دعاء نوح عليه السلام الذي يوم استجاب الله له أغرقَ الأرض كلها نصرةً له!

▪أولادك الذين ميزتَ بينهم في المعاملة في حياتك، وفي الميراث في مماتك، لن يرفع المظلوم منهم دعوى سوء معاملة، محاكم البشر لم تنشأ لهذه القضايا، والميراث الذي جعلته عقد بيع وشراء لتحرمَ ولداً وتعطي آخر تعترف به السجلات العقارية، ولكن تذكر أنه ليس المهم ما تكتبه السجلات العقارية وإنما ما تكتبه الملائكة!

👈🏻مما يشاهد في الحياة عَياناً أن الأقوياء إذا تخاصموا أركنهم الله إلى الأسباب، وحظُّ كل واحد منهم من النصر مقدار ما أخذ من السبب، ولكن حين يظلم القوي ضعيفاً لن يموت القوي قبل أن يقتصَّ الله تعالى للضعيف منه، فإياك أن تخاصم وتظلم هؤلاء الذين ليس لهم إلا الله!

~

أم حذيفة 04-17-2020 11:06 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

2⃣4️⃣

✍على رِسْلِكُما!


👈🏻تُحدِّثنا أُمنا صَفيّة بنت حيي قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعتكفاً في المسجد، فأتيت أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنصرف، فقام معي ليُوصلني، فمرَّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أسرعا. فقال لهما: على رِسْلِكُما هذه صفية بنت حُيي!
فقالا: سبحان الله يا رسول الله! يُريدان أن يقولا وهل أنتَ موضع شك يا رسول الله!
فقال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءاً!

👈🏻موقفان عظيمان تأمَّلْهما:

🍂الأول: المدينة أمان، ولو عادت صفية وحدها في الليل ما تعرَّض لها أحد، ولكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقطع اعتكافه، ويقوم ليوصلها إلى بيتها، هو يعرف أنها تعرف الطريق وإنما أراد أن يقول لها: أنا أهتمّ! أحياناً ليس عليكَ أن تقول لها أُحبكِ، ثمة مواقف صغيرة، تفاصيل حياتية عادية أبلغ من ألف كلمة أحبكِ! هل جربت أن تضع لقمةً في فمها، أو تُمسك يدها وأنتَ تعبر بها الشارع، أو تخلع سترتك وتضعها على كتفيها في ليلة باردة، ثمة أشياء لا تكلفك الكثير، ولكنها تعني لها كثيراً!

🍂الثاني: رغم أنه فوق الشكوك، وأنه نقي كماء زمزم، وتقي كما لم يسبق لإنسان أن يكون بتقواه، إلا أنه يستوقف الرجلين ويُخبرهما أنَّ هذه المرأة التي معه هي زوجته صفية!👈🏻 أراد أن يعلِّمنا أن الإنسان لا يكفي أن لا يفعل الحرام وإنما لا يضع نفسه في موقف يظنُّ منه الناس أنه واقع في الحرام!
لا تلقِ نفسك في مواطن الشبهات كي لا يرميكَ الناس بسوء الظنِّ، طبيعة النفس البشرية أنها تحمل المواقف البشرية على الظنِّ السيء، فعلى سبيل المثال لا تجلس على مائدة يُدار عليها الخمر ولو كنت تُريد أن تنصح، لأن الذي يراك لن يشك لحظة أنك لا تشرب معهم! للنصح وقته ومجاله.
بالمقابل تخلَّ عن ظنك السيء بالناس، من تكلَّم مع فتاة هي ليست بالضرورة حبيبته، والرواية التي ألَّفتها في رأسك قد يكون الشيطان هو الذي أملاها عليك!
كل شخص رأيته يحادِث عاصياً ليس بالضرورة مثله!
الحياة أحياناً كالسوق قد يجتمع فيه اثنان لا علاقة لهما ببعضهما، ودكان البنادق يشترى منه بنادق للصيد وبنادق للقتل فلا تدخل في نوايا الناس!

أم حذيفة 04-19-2020 01:56 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

2⃣5️⃣

✍فلا تُقْدِمُوا عليه!

خرجَ عُمر بن الخطاب من المدينة يُريدُ الشَّام، فلما صارَ في منطقة يُقال لها سَرْغ، لَقِيَهُ أبو عبيدة بن الجراح وأُمراء الجند، وأخبروه أن الطاعون قد وقع في الشام. فدعا إليه المهاجرين، فمنهم من أشار عليه أن يرجع إلى المدينة، ومنهم من أشار عليه أن يمضي في مسيره! فقال لهم: ارتفعوا عني! ثم دعا الأنصار واستشارهم، فإذا هم كالمهاجرين على رأيين أحدهما العودة إلى المدينة، والآخر بالمضي قُدُماً! فقال لهم: ارتفعوا عني. ثم دعا شيوخ قريش الذين أسلموا بعد الفتح فاقترحوا عليه أن يرجع إلى المدينة فهو أمير المؤمنين ومن معه بقية صحابة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وليس الأمر حثيثاً يدعو للمُخاطرة، فأخذَ برأيِهم!

👈🏻فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدرِ الله يا أمير المؤمنين؟!
فقال له عمر: لو أنَّ غيرك قالها يا أبا عبيدة، وكان عُمر يحبُّه ويكره خلافه، ثم قال له: لو كان لك إبل فهبطتْ وادياً فيه مكان خصيب ومكان جدب أليسَ إن رعيتَ في الخصيبِ رعيتَ بقدرِ الله، وإن رعيتَ في الجدبِ رعيتَ بقدرِ الله؟!
ثم أمر الناس أن يستعدوا للعودة إلى المدينة،
👈🏻 وفي هذه الأثناء حضرَ عبد الرحمن بن عوف وكان متغيّباً لبعض حاجته، فقال: إنَّ عندي من هذا علماً، سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول عن الطاعون: ▪"إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تُقدِموا عليه، وإذا وقعَ بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه"! فحمدَ عمرُ اللهَ تعالى أن أراه الحقَّ وهداه إلى السُّنة، ثم مضى بالناس عائداً إلى المدينة!

هذه هي سُنَّة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عند انتشارِ الأوبئة، أن لا يسافر الإنسان لمكان موبوء، وأن لا يخرج من مكانٍ ضربه الوباء، والسبب قد أقرَّه الطب بعد 1400 سنة من حديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو أن للأمراض فترة حضانة، وهي المدة التي تقع بين إصابة المريض بالمرض وظهور عوارض عليه، وهذه تختلف من مرض إلى آخر، فالإيدز مثلاً قد يصاب به الإنسان ولا تظهر عوارضه إلا بعد سنوات، أما فايروس كورونا ففترة حضانته أسبوعان، وقد يحسب المرء أنه معافى منه فينقُله معه إلى بلد آخر، وقد يكون سليماً ويلتقي في سفره بإنسانٍ لم تظهر عليه العوارض بعد فيُصاب ويرجع إلى أهله حاملاً المرض!

والحرص مطلوب، والأخذ بالأسباب واجب ، وتجنب أماكن الزحام في هذه الأوضاع أولى، ومن شكَّ بعوارض المرض فليعتزل حتى المساجد !

▪بقي أن نُشير أن هذا الفايروس الذي انتشر إنما هو خلق من خلقِ الله، ناصيته بيده سبحانه مثلنا تماماً! إنه يعمل بأمرِ اللهِ لا بأمر نفسه، وإنَّ الله سبحانه لا يخلق شيئاً إلا لحكمةٍ ولو غابتْ عنا وعجِزنا بأفهامنا المحدودة أن نُدركَ حكمته جلَّ في علاه، صحيح أنَّ الهلع والخوف فطرة بشرية لا شيء فيها، واتِّخاذ التدابير الوقائية وسبل السلامة أمر واجب في هذه الحالات، إلا أنَّ هذه الحوادث والأوبئة فرصة لنتذكَّر عظمة هذا الرب وقدرته، لقد قام هذا الكوكب واستنفر من مشرقه إلى مغربه بسبب فايروس لا يرى بالعين المُجردة، جنديٌ واحد من جُنود الله، جعلنا نُدرك كم نحن ضُعفاء ونُعيدُ بُوصلة العقيدة إلى اتجاهها الصحيح إلى الله القوي والقادر!

▪إن البلاء لا ينزل إلا بذنب، ولا يرتفعُ إلا بتوبة، وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه في سنة 478 للهجرة كثُرَتْ الأمراض بالحمى والطاعون في العِراقِ والشَّامِ والحِجَاز، وماتتْ الوحوش في البراري، ثم تلاها موت البهائم، وماتَ خلقٌ كثير، فأمرَ الخليفة المُقتدي بأمرِ الله بتجديدِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكسر آلات الملاهي، فانجلى ذلك الطاعون، وذهبتْ تلك الأمراض!
عافانا الله وإياكم، وسلَّمنا من كل سوء!
منقول

أم حذيفة 04-20-2020 12:31 AM

[
2⃣6️⃣

✍ زادكَ الله حرصاً ولا تعد!

إنْ سُئِلتَ عن أجمل مديح في التاريخ فقُلْ دون تردد هو قول الله سبحانه في عبده ورسوله "وإنك لعلى خلق عظيم". ذلك أنَّ الناس تُغالي حين تمدح، إما أن تغلبها العاطفة، والحب يعمي عن المعايب، أو تمدح طمعاً في العطاء! أما مديح الله سبحانه وتعالى فهو مديح من يعلم لمن يستحق!
👈🏻 ولو قال ربنا سبحانه "وإنكَ لعلى خلق" لكانت مديحاً مهولاً، فكيف وقد تكرَّم على عبده ووصفَ خلقه بالعظيم!

▪على خلقٍ عظيم كان، في رضاه وغضبه، في سِلمه وحربه، في إقامته وسفره، مع الكبير والصغير، ومع الصاحب والعدو! كان دائماً يبحثُ عن شيء جميل ليُثني به على الناس، حتى في مواقف الخطأ، فكثيراً ما كان يُطيِّبُ الخاطر قبل أن يُدلي بالنصيحة!

👈🏻دخل أبو بكرة يوماً المسجد يريدُ الصلاة خلفَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإذا هو في الركوع والمُسلمون خلفه كذلك، فلما شعر أبو بكرةَ أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يريد أن يرفع رأسه من الركوع، دخل في الصلاة على عجل وركعَ قبل أن يصل إلى الصف ويقف بين المصلين، فلما انتهت الصلاة، تقدم أبو بكرة منه، وأخبره بالذي كان منه، فقال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: زادك الله حِرصاً، ولا تعد!

▪اُنظُرْ لأدب النصيحة، لم يقُلْ له ما كان ينبغي لكَ أن تركعَ قبل أن تقف في الصف، ولم يقل له لِم أنتَ عجولٌ يا أبا بكرة، ولم يقل له إياك أن تكررها مرةً ثانية إنها ركعةً وكان بإمكانك أن تصليها بعد أن أُسلِّم!
👈🏻لقد بدأ بالإيجابيات، زادكَ اللهُ حرصاً، أثنى على حرص أبي بكرة في إدراك كل الركعات خلفه، ثم علَّمه الصواب! والإنسان إذا تلقى مديحاً أولاً يكون على استعداد أن يتقبَّل النقد بعدها بصدرٍ رحبٍ، هذا مبدأ عظيم في التعامل مع الناس فانتبهوا له جيداً!

إذا أقمت في بيتك مأدبةً، ولاحظت أن أحد الأطباق كان الملح فيه ظاهراً، فقُل لها لاحقاً حين تخلو بها، باركَ الله بكِ، كان الطعام لذيذاً، أنتِ طاهية ماهرة، ولكن الطبق الفلاني كثير الملح، انتبهي له في المرة القادمة! هي ستتلقى ملاحظتك ببساطة وصدر رحب! أما لو قلتَ لها مباشرة الطبق الفلاني مالح كثيراً فأنت هنا حطمتها، لقد جعلتها تشعر أن كل الذي قامت به سيء!

إن كان عندكَ موظف يتأخر، وأردتَ أن ينضبط، فلا تقُلْ له فوراً كفَّ عن التأخر! ابتعد عن أسلوب التهديد وتخويف الناس، يمكنك ببساطة أن تأسر قلبه لو قلت له، أنت موظف جيد، وتقوم بعملك بكفاءة، ولكن عليكَ أن تلتزم بوقت الدوام، أُريدك قدوة لزملائك، لاحظ الفرق بين الأسلوبين، ثم لاحظ بعدها النتيجة!

▪عندما نبدأ إعطاء الملاحظات والنصائح مباشرة، نجعل الآخرين يبنون بيننا وبينهم سداً منيعاً، ويسمعون كلامنا من أُذن ويُخرجونها من الأُذن الأُخرى، ولكن عندما نذكِّرهم بإيجابياتهم قبل سلبياتهم تقع النصيحة في قلوبهم مباشرة!
منقول

___


أم حذيفة 04-21-2020 12:43 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

2⃣7️⃣

✍لعلك ترزق به!

النَّاسُ هم النَّاسُ في كل عصر، أكثر ما يشغلهم الرِّزقُ والمالُ وتحصيلُ المعيشة، فطرة الله التي فطرَ عليها الناس! وقد قال سبحانه في مُحكم التنزيل عن الإنسان "وإنه لحُبِّ الخير لشديد" وجمهور المفسرين على أن الخير في الآية هو المال! على أنَّ جمع المال ليس عيباً، والغِنى ليس سُبةً، ونِعمَ المال الحلال في يد العبد الصالح، المهم أن تملكَ أنتَ المالَ لا أن يملككَ! وأن يكون لكَ خادماً لا سيداً، وأن تضعه تحت قدميك ليرفعكَ لا فوق رأسك ليخفضك!

كان في عهد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أخوان، أحدهما له مهنة يتكسَّبُ منها، والآخر لا مهنة له، يحضرُ مجلسَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ويأخذ منه الحديث والقرآن! وكان الذي له مهنة يُنفقُ على نفسه وعلى أخيه، ثمَّ إن صاحبَ المهنة أتى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يشكو إليه أخاه!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لعلَّكَ تُرزقُ به!

الحديثُ ليس تشجيعاً على البطالة، وعلى أن يكون الإنسان عالة على غيره، على العكس تماماً إن الأحاديث التي تحثُّ على العمل والاجتهاد، وتُثني على من يأكل عمل يديه كثيرة، ولكن مثل هذه الأحاديث إنما تُقال للأخ الذي لم يكُن له عمل، ولا تُقال للأخ صاحب المهنة لأن فيها تحريضاً له على ترك أخيه، ما يُقال للمُنفق ما قاله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لعلَّكَ تُرزقُ به!

العمل سبب للرزق، ولكن الرَّازق هو الله، وما أدراك أن الله قد فتحَ لكَ باب الرِّزق في عملك لا بسبب جدك واجتهادك، وإنما بسبب أبوين تُنفِقُ عليهما، وابنٍ ذي عاهةٍ لا تتأففُ منه، وفقيرٍ خصصتَ له مبلغاً شهرياً، ومريضٍ تكفلت بدوائه الدائم! ما أدراك أنَّ الله قد جعلكَ باباً وسبباً يرزقُ به عبداً من عباده، وأنتَ تُرزقُ لتُعطي، يريدُ الله أن لا يقطع عنكَ الخير لتجود به، وتُمرره لغيرك!
أنتَ أضعف من أن ترزق نفسكَ، ومن باب أولى أشدُّ ضعفاً من أن ترزق غيرك، وأنه سبحانه حين جعلكَ سبباً في رزق غيرك فقد تكرَّمَ عليكَ واصطفاكَ لهذا العمل، فهو قادر أن يرزقه ويُغنيه عنكَ، فما حرمه الرزق المباشر الذي يقع في يده عن فقرٍ منه سبحانه، ولكنه جعل الناس لنا أبواباً إلى الجنة فلا تُغلقْ باباً فتحه الله لكَ، لعلكَ إن أغلقته أحوَجَكَ إلى غيرك، كما أحوجَ غيركَ إليكَ أولاً، فأعطِ واحمدْ ربَّكَ أن جعلكَ عبده المُعطي لا عبده الآخذ!
كان عبد الله بن جعفر من أكثر الناس صدقةً، يُعطي الفقراء بشكلٍ جعلَ حتى أقرب المقربين منه يلومونه، أن أعطِ أقلَّ من هذا، فقال لهم: لقد عوَّدَني اللهُ عادةً، وعوَّدتُ عبادَه عادةً، فأخشى إن غيَّرتُ عادتي أن يُغيِّرَ الله عادته!
فهمٌ دقيقٌ وعميقٌ لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لعلكَ تُرزقُ به!

___منقول

أم حذيفة 04-22-2020 12:46 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

2⃣8️⃣

✍أخطأ من شدة الفرح!

لطالما كانت القصص والأمثالُ مطيَّةً لتقريب المعاني، ولأنها كذلك فقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يكثر أن يحدِّثَ بها أصحابه، فأرادَ مرةً أن يُخبرهم عن حبِّ اللهِ سبحانه للتائب وفرحه بتوبته، فأخبرهم أنَّ الله أفرح بتوبة عبده من رجل كان في صحراء، وكانت معه ناقته التي عليها طعامه وشرابه ومتاعه، ثم لما اشتدَّ الحرُّ، أوى الرَّجُلُ إلى شجرة يتفيَّأ ظلالها وينام قليلاً، ولكنه نسيَ أن يُحكم ربطها، فلما نام شردتْ الناقة، فلما استيقظ ولم يجِدْها أخذ يبحثُ عنها يميناً وشمالاً ولكن دون جدوى، ولما يئِس أن يجدها قال في نفسه: أرجعُ إلى المكان الذي كنتُ فيه فأنام حتى أموت! فلما نام ما شاء الله له أن ينام، استيقظ فإذا ناقته عند رأسه، فقال من شدة الفرح: "اللهم أنتَ عبدي وأنا ربك"!
وجعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: أخطأ من شدة الفرح!

اُنظُرْ لحكمة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في ضرب المثل، لقد اختارَ قصةً من بيئة القوم الذين يُحدثهم، فهم يعيشون في الصحراء، ويُسافرون قاطعي الفيافي والقفار، ويعلمون ما تعني الناقة التي عليها الزاد والماء، ويعلمون أن فقدها يعني الموت المحتَّم، ويعلمون بالتالي مقدار فرح المسافر بالعثور على ناقته بعد فقدها، لهذا وصلتْ الفكرة التي أراد أن يُوصلها إليهم بيُسر وسلاسة.

لهذا على الدُّعاة والمُربِّين أن يُخاطبوا الناس بحسب واقعهم، وبالشيء الذي يفهمون به، فالمثل الذي يُعطى لطلاب الجامعات في محاضرة قد لا يناسب العَوَام في المساجد، والقصة التي تُقال للمرأة في الأربعين مثلاً لا تُقال للطفلة في العاشرة، وقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نُخاطب الناس على قدر عقولهم"! وعقولهم هذه تشمل لُغاتهم، وعاداتهم وتقاليدهم، وواقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي!

أخطأ من شدة الفرح!
إن قول الرجل لا شك أنه في ظاهره كفرٌ بواح! ولكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أراد لنا أن نلتمس العُذر للناس في بعض المواقف! يمرُّ الإنسان بأطوار نفسية قد يفقدُ فيها زمام عقله، فلا يعود ذلك الشخص الذي نعرفه، فالمُصيبة أحياناً تُفقدُ الإنسان صوابه، وربما قال فيها كلاماً جارِحاً لمن حوله، فلا يجب مُؤاخذته خصوصاً إذا كنا نعرف أنَّ هذه ليستْ حاله، وأنه في ظروفٍ طبيعيةٍ ما كان له أن يقول ما قال!
والفرح أحياناً كالمصائب يُفقدُ الإنسان صوابه، فتجده في حالة من عدم الاتزان، وقد يقول ما لم يكن له أن يقوله في حالة استقرار نفسي! فقدِّروا ظُروف الناس واعلموا أن النفس البشرية أطوار، جبال ووِهاد، مرةً في الأعلى ومرةً في الأسفل، وكما قال مصطفى محمود: نحن لا نملكُ أكثر من أن نُهوِّن على بعضنا الطريق!

بالمُقابل علينا أن نُحاول أن نملك زمام أنفسنا ما استطعنا حين نكون في حالة نفسية استثنائية، ومن أجمل ما قال الأوائل:
لا تقطع وعداً وأنتَ سعيد، ولا ترُدْ وأنتَ غاضب، ولا تُقرر وأنت حزين!

أم حذيفة 04-23-2020 12:25 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

2⃣9️⃣

✍كان زكريا عليه السلام نجاراً!

قالَ مرةً لأصحابه: ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم
فقالوا: وأنت يا رسول الله؟
قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط/أُجرة لأهل مكة!

وكان يحِب أن يكون للمرءِ مهنة يكتسب منها قوته، فقال: ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنَّ نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده!
وحدثهم مرة فقال: كان زكريا عليه السلام نجاراً!

ويقول عمر بن الخطاب: أرى الرجل فيعجبني، فأسأل هل له مهنة؟ فإن قيل لا، سقط من عيني!
وقال الأوائل: ليس هناك مهنة حقيرة، وإنما هناك أُناس حقيرون!
إن من دلائل عظمة الله، أنه أحاج الناس للناسِ، واستغنى هو عنهم جميعاً! الطبيب يحتاج النجار، والحداد يحتاج المزارع، والتاجر يحتاج العتال، ولا يستغني أحد عن الخباز!
الفكرة أن كل عملٍ يدر دخلاً حلالاً هو عمل نبيل، وصاحبه يستحق الاحترام أن أغنى نفسه أن يكون عالةً على غيره!
لا شيء في أن يسعى المرء إلى وظيفة مرموقة، وليس على المرءِ حرج إذا أراد من ابنه أن يكون الطبيب لا الخباز، والمهندس لا الإسكافي، ولكن العيب أن يحتقر الخباز والإسكافي بعد أن صار طبيباً!

🍂المهن في الأصل هي لكسب القوت وتأمين المعيشة وليس للتفاضل بين الناس، صحيح أن بعض المهن لها "برستيج" اجتماعي أكثر من غيرها، والناس ينظرون إلى أصحابها بعين إجلالٍ لا ينظرون فيها إلى غيرها، ولكن من الفهم السقيم للحياة، قياس الناس بحسب مِهنهم، وجعل قيمتهم بقيمة المناصب التي يشغلونها، والمال الذي يجنونه!
الأنبياء كلهم عملوا في رعي الغنم كما في الحديث، وداود عليه السلام كان يأكل من مهنة له، وزكريا عليه السلام كان نجاراً، فلا تخجل بمهنتك، ما دمت تكسب رغيفك بالحلال فارفع رأسكَ، وافخرْ بنفسك، ثيابك المتسخة ليست عيباً، العيب أن تكون ثيابك أنيقة وقلبك متسخ ومالك حرام!
الأيدي الممتلئة بالنُّدوب لكثرة ما تتعرض له من ضربات أثناء العمل هي شهادة في العصامية والاعتماد على الذات بعد الله، والأيدي المتسخة بالسواد والشحم والغبار صك براءة من البطالة والكسل!
سر الحياة ليس في أي مهنة تعمل، وإنما أن تكون مع الله، كما أمر وكما أراد في أية مهنة عملت، في الحياة نجد الطبيب المخلص والنجار الغشاش، ونجد المهندس المرتشي وعامل البلدية الشريف، والله لا يحاسب على المهنة وإنما على طريقة العمل بها!
أحقرُ الناس من إذا وصلوا إلى الجامعات خجِلوا بمهن آبائهم المتواضعة، بدل أن يفخروا برجالٍ بمهنٍ متواضعة استطاعوا أن يُوصلوهم إلى الجامعات! قرأت منذ أيامٍ عن فتاةٍ تخرجت من الجامعة، فطلب منها أبوها أن لا تذكر لأحدٍ أنه يعمل في البلدية كناساً للطريق، فلبست ثوب تخرجها، وذهبت إلى مكان عمله، وطلبت من أحدهم أن يصورها وهي تطبع على رأسه قبلة، ثم نشرت الصورة في مواقع التواصل، وكتبت هذا الرجل العظيم أبي!

أم حذيفة 04-23-2020 10:10 PM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

3️⃣0️⃣

✍حتى تستكمل أجلها !

نادى نبينا صلى الله عليه وسلم يوماً على أصحابه فقال : هلموا إليَّ.
فأقبلوا إليه فجلسوا. فقال: "هذا جبريل رسول ربِّ العالمين، روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملُوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإنّ الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته"!

◻️هنا بيت القصيد: حتى تستكمل أجلها!
إني لمّا تابعتُ انتشار "فايروس كورونا"، ورأيت الهلع في نظرات الناس، ونبرات أصواتهم، ومضامين كلماتهم، قلت في نفسي: يحتاج الناس في هذه الظروف لمن يربِت على قلوبهم، وينزل لهم العقيدة التي يؤمنون بها على الواقع الذي يعيشونه، فقد سيطر الخوف، وانتشرت الشائعات، وتنبأ الإعلام!

🔅إنّ الله سبحانه وتعالى قد كتب أعمارنا وأرزاقنا ونحن أجنة في بطون أمهاتنا، فلن يموت إنسان قبل انقضاء العمر الذي كتبه له! تعالوا ننظر إلى الحروب المستعرة في هذا الكوكب، نجد في ميادينها الرجل الطاعن في السن قد نجا من آلاف القذائف، بينما نسمع عن طفل رضيع شرِقَ بحليب أمه ومات! الأول نجا من قصف الطائرات والمدافع ليشيخ لأن الله سبحانه قد كتبَ له عمراً عليه أن يعيشه رغماً عن كل شيء، والثاني مات في حضن أمه، أكثر الأماكن دفئاً وأماناً في هذا الكوكب، ذلك أن الله سبحانه قد قضى أن عمره عند هذا الحد! فاطمئنوا، لن يموت إنسان قبل أن يّؤدي مهمته التي خلق لها، وقبل أن يعيش عمره الذي كتبه الله تعالى له!

الخوف الذي يصيبنا شيء طبيعي، ولا علاقة له بقلة الإيمان، نحن نخاف لأننا بشر، والمؤمن نهاية المطاف إنسان يخاف على نفسه وأحبته، ولكنه يُؤدِّبُ هذا الخوف بالرضى، ويُحلِّي مُرَّه بالإيمان أنّ ما شاء الله كان، فلا تستخفوا بمخاوف الناس، ولكن بالمقابل لا تبنوا سجناً من الخوف، تحبسون أنفسكم خلف جدراته، فإن الخوف والقلق لا يمنعان ألم الغد، وإنما يُفسدان متعة الحاضر!

كلُّ ما يصيب المسلم مع الرضى له فيه أجر، حتى الشوكة يشاكها، وإن من رحمة الله بالمسلم أنه أحياناً يطهّره في الدنيا ليُقدِمَه عليه نقياً طاهراً!

لا تُوزِّعوا أقدار اللهِ على الناس، الأمراض الفتاكة تصيب الناس جميعاً، فتحصد المسلم والكافر، الطائع والعاصي، والبَر والفاجر، وقد مات أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح في طاعون عمواس! مع التأكيد أنه من تمام العقيدة أن نعلم أنه قد يشترك الناس في سبب الموت ولكن شتان بين مصير المؤمن ومصير الكافر، فالعبرة ليست بسبب الموت، وإنما بما بعد ذلك !

الوقاية واجب، والإنسان مطالب بالحذر واتباع ارشادات الأطباء وأهل الاختصاص، كي لا يضُرّ نفسه وغيره، والإقبال على المهالك ليس من الإيمان في شيء، ولا من حُسْنِ التوكل، إنه من الحُمق والفهم الخاطىء للدين!
حفظنا الله وإياكم وجميع المسلمين.
منقول

أم حذيفة 04-26-2020 12:04 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

3️⃣1️⃣

✍فإنما أقطع له قطعة من نار!

أجمل ما في قصص الأنبياء تلك النفحات التي تُذكِّرنا أنهم كانوا بشراً مثلنا! يُريدُ الله سبحانه أن يُعلِّمنا أن الإيمان لا يُلغي الطبائع وإنما يُهذِّبها! ولا يكبت الشهوات وإنما يُؤدِّبها!

🔅إن نوحاً عليه السلام حين توجَّع لغرق ابنه فإنما ناجى ربه مدفوعاً بعاطفة الأبوة، فلمَّا نهاه ربه انتهى!
🔅وإن موسى عليه السلام حين أوجسَ خيفةً لما ألقى السَّحرة حِبالهم وعصيهم، لم يخفْ عن قِلة إيمان، وإنما خاف لأنه إنسان! وحين غضبَ وألقى الألواح فإنما فعلَ هذا لأنَّ بعض المواقف تُخرج الإنسان عن طوره!

🔅وسيِّدُ الأنبياء كما إخوته الذين سبقوه بالنبوة بشر أيضاً، ولم يكُن يخجل أن يُصرِّح ببشريته، فالإنسانية ليستْ منقصة، على العكس تماماً، هنا تكمُن المعجزة! أن تكون بشراً بعواطفك وهواجسك وأحزانك وأتراحك ثم تُغيِّر هذا العالم إلى الأبد!

◻️وقد قال مرةً: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضُكم أن يكون ألحنَ بحُجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه فإنما أقطعُ له قطعةً من النار، فليأخذها أو يذرها"!

لعلَّ أحد الخصمين فصيح حسن اللسان، والآخر عَيِيّ لا يقدر أن يُبيِّن حقَّه، فيحكم القاضي له،
👈🏻 ولكن السؤال: أيجعل حكم القاضي الحرام حلالاً! لا واللهِ فإن كان حكم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الصادر بناءً على ما سمع لا يُبيح لأحدهم أن يأكل حق أخيه، فكيف هو حكم القُضاة الآخرين!

إن ممَّا ٱبتُليَ به الناس أنهم يقومون بالحلال، ولكنهم لا يتورَّعون عن الحرام، وقد كان الأوائل يرون أن الدِّين في ترك الحرام أكثر منه في إتيان الحلال!
وقد قال مالك بن دينار: لَأن يترك الرجل درهماً من حرام خيرٌ له من أن يتصدَّق بمئة ألف درهم!

الحلالُ يقوم به البَرُّ والفاجر، والصالح والطالح، ولكن الإمساك عن الحرام لا يقوم به إلا من كان قلبه خالصاً لله!
تخرجُ الراقصة في مقابلة تلفزيونية وتتحدَّث أنها تحجُّ وتعتمر وتتصدَّق، وقد تكون صادقة في قولها، ولكنها لا تعرف أن التوقُّف عن هزِّ خصرها شبه عارية أمام الناس أفضل لها من عمرة!

يُمكن للتاجر الغشاش أن يكفل يتيماً، وهذا عمل نبيل، ولكن أنبل منه هو ترك الغش، والتوقُّف عن أكل أموال الناس بالحرام، لأنَّ الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً!
نعم يحدث أن يبني صاحب البار مسجداً، ولكن إقفال البار أحب إلى الله من بناء المسجد!
ونعم يحدث أن يُقيم تاجر المخدرات موائد الإفطار في رمضان، ولكن التوقُّف عن تجارة المخدرات أحب إلى الله من إقامة موائد الإفطار!
الإيمان الفعلي الصادق ليس في فعل الطاعة، وإن كانتْ الطاعات محمودة، وإنما في هجرِ المعاصي!

--------🌺🍃
---------منقول

أم حذيفة 04-27-2020 12:01 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

3️⃣2️⃣

✍ هذه بتلك!

كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا عزم على السَّفر أقرعَ بين نسائه، فأيما واحدة وقعت عليها القرعة صحبها معه!
◻️طريقة عبقرية في العدل، تجعل الفائزة بالصُّحبة تنتشي فرحاً، والتي لم تنل شرف الرفقة لا تلُمه، ولا تُحدِّث نفسها أنه قد فضَّلَ ضرَّتها عليها!
◻️وفي إحدى أسفاره وقعت القُرعة على عائشة، وكانت يومذاك لم تزل صغيرة السِّن، فأمرَ الجيشَ أن يتقدَّمَ أمامه، فلمَّا غدا وحده معها قال لها: تعالي حتى أُسابقكِ!
فتسابقا، فسبقته عائشة! ثم سار بها حتى التحقَ بالناس، وعاد أدراجه إلى المدينة.
ومرَّت الأيام، كبرتْ عائشة في السن قليلاً، وزاد وزنها، وكان على موعد مع السَّفر، فأقرع بين نسائه على عادته، فوقعتْ عليها القرعة فصحبها معه، ثم في طريق العودة قال للناس: تقدَّموا
فتقدَّم الناس… فلمَّا غدا وحده معها قال لها: تعالي حتى أُسابقكِ!
فتسابقا، فسبقها، فجعلَ يضحكُ ويقولُ لها: هذه بتلك!

👈🏻النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليه مُهِمَّة دعوة البشرية قاطبة إلى الله، ورئيس الدولة الذي عليه تحريك الجيوش، وعقد الأحلاف، ومُراسلة الملوك، وتدبير شؤون الناس، لم يشغله هذا كله عن أن يكون زوجاً، ويُعامل زوجته باللُّطف واللين إلى درجة أن يُسابقها في الصحراء كأنه ليس على كاهله كل هذه المسؤوليات الجسام! أراد أن يُعلَّمنا أن نكون مُتوازنين في حياتنا، لا يشغلنا العمل عن العبادة، ولا تجعلنا العبادة نترك أعمالنا ونتكفَّف الناس! أن لا يلتصق المرء بزوجته ويترك دنياه، ولا يلتصق بدنياه فيُهمل زوجته!
إنَّ من مآسينا اليوم أننا نجعل شيئاً واحداً يسرقنا من كل شيء!
تجدُ التاجرَ يقضي نهاره في عقد الصفقات، وجمع الديون، وتسديد الفواتير، فإذا عاد إلى بيته لا يهدأ جوَّاله، اتصال على فلان، واتصال من فلان، لا الزوجة تشعر بقُربه وهي التي تحتاج حنانه ودفأه كحاجتها إلى ماله بل أشدَّ! ولا الأولاد يشعرون أن لهم أباً وسنداً، يحسبُ أن المال الكثير، والأثاث الفاخر، والسيارات الفارهة تملأ غيابه، بينما في الحقيقة هم وجدوا المُعيل وفقدوا الأب، فليس بالضرورة أن يموتَ المرءُ ليُفتقد، يكفي أن يحضر بجسده ويغيب بقلبه وروحه حتى يصبح لا وجود له!
وتجدُ الزوجة مُولعة بالأثاث وترتيب البيت، وهذا شيء جميل بالمناسبة ولا حرج فيه، ولكن أن يصبح الأثاث أهم من البشر، ودورهم حراستها بدل استخدامها فهذا فيه من الحُمق أكثر ممَّا فيه من الترتيب والأناقة!
وتجدُ المُولع بالقراءة متأبِّطاً كتابه في ساعة متأخرة من الليل وزوجته بجانبه تنتظر فقط أن يسألها كيف كان يومها فلا يسأل! القراءة هواية عظيمة، وإنارة العقل مطلب جليل، ولكن القراءة إنما يجب أن تكون على حساب وقتك لا على حساب واجباتك!
وتجدُ المتعلق بأصدقائه، كل يوم خروج وسهر، يُريدُ أن يحيا حياة العزوبية وهو متزوج، يُشعرها أن البيت قفص، وأنها سجَّان، وليس له سعادة إلا فتح باب القفص والخروج منه!

◻️وصل الأصدقاء جميل، ومن الضروري أن يكون للمرء طقوسه الخاصة، ولكن الظلم أن تكون حياته كلها طقساً خاصاً!
تاجر ما شئتَ، واقرأ كما يحلو لكَ، واجعلْ لكَ صُحبة، ولكن تذكَّر أنَّ لك زوجةً وأولاداً وأن أشياء صغيرة لا تُكلِّف شيئاً هي التي تصنع سعادة الآخرين!
اهتمِّي بنفسك، رتِّبي بيتك، ولكن تذكري أن هذه وسائل لإسعاد زوجك وأولادكِ وليست غايات بحد ذاتها، وإلا تحول الأثاث إلى صنم في البيت، له من التبجيل كما كان لأصنام قريش ذات يوم عند الكعبة!

------------ 🌺🍃
--------منقول

أم حذيفة 04-28-2020 01:37 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

3⃣3⃣

✍ٱنظُروا لمن هو أسفلَ منكم!

إحدى مشاكلنا نحن البشر أن عيوننا فارغة، نُحصي ما نفقِدُ من النعم أكثر مما نشكرُ على ما أُعطينا، وننظرُ إلى ما في أيدي الآخرين أكثر مما ننظُر إلى ما في أيدينا! ولا ندري أنَّ النَّظر إلى ما في أيدي الآخرين يُفقدنا لذَّة الاستمتاع بما في أيدينا!

ولأن العُيون الفارغة مرضٌ عُضال، أرادَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن لا نكون مرضى، فأعطانا العلاج يوم قال: "ٱنظروا لمن هو أسفلَ منكم، ولا تنظُروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم"!

قبل أن تنظُرَ إلى صاحب السيارة الفارهة، ٱنظُرْ إلى الشخص الذي بُتِرتْ أقدامه!
قبل أن تنظر إلى صاحب "الڤيلا" الفاخرة، ٱنظُرْ إلى المشرَّدين في الخِيام ينخرُ البرد عِظامهم!
قبل أن تنظر إلى ثروة الغني، ٱنظُرْ إلى كف الفقير الذي يتسوَّل ويستعطي الناس!
ثمَّ إنك لا ترى إلا جزءاً من الصورة، أنتَ ترى ما أُعطيَ الناس، ولكنك لا تدري شيئاً عما حُرموا منه!
ما أدراك أنَّ هذا الذي لديه الكثير من المال يفتقد الكثير من الأشياء التي لا تشتريها الأموال، ما أدراك أنه قد فقدَ أُمه، أو ضاع منه حُبَّ حياته، أم أنه مُبتلى بمرضٍ لا علاج له فيقف هو وثروته عاجِزَين، يتمنَّى لو أنه لا يملكُ هذا المال، مُقابل صحة تشعرُ بها وتتفيَّأ ظلالها وتراها قليلة!

ما أدراكِ أن هذه التي تخرجُ مع زوجها إلى مطاعم كثيرة، وتَرِين صورتها في المطارات والرحلات قد حُرِمتْ لذَّة الإنجاب، وأنها تتمنَّى لو كانتْ مكانكِ مسمَّرة في بيتها، المهم أن تسمع طفلاً صغيراً يقول لها "ماما"!

ما أدراكَ أنَّ هذا الذي يملكُ وظيفة مرموقة قد فقدَ أمه وهو صغير وأنه يتمنى لو كان مكانك وكنتَ مكانه فقط لتضُمَّهُ وتأخذه إلى صدرها!

ما أدراكِ أن وزن فلانة ليس كثرة أكل وإنما من علاج الكورتزون، وأن نحافة فلانة ليستْ رشاقة وإنما لأن مرضاً يأكلها من الداخل!
الأشياء ليست دائماً كما تبدو!
توقفوا عن النظر إلى ما في أيدي الآخرين، ٱنظُروا إلى ما في أيديكم، فإن النظر إلى نِعم الآخرين يدل على عين فارغة، ونفسية مريضة، وهو قبل كل هذا سوء أدب مع الله!

--------------🍃🌺
-------------منقول

أم حذيفة 04-30-2020 01:42 AM

🟢 على منهاج النُّبُوَّة

3️⃣4️⃣

✍لو سترته بثوبك!


عندما زنى ماعِزٌ رضيَ الله عنه، مرَّ بصديقٍ له اسمه هُزال الأسلمي وحدَّثه بما كان منه، ولكن هُزالاً لم يعِظْه، ولم يحُثَّه على التوبة، بل أشار إليه أن ينطلق إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيُخبره بالأمر! فأتى ماعِزٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم واعترفَ عنده بالزنا، فأمر عليه السَّلام برجمه، لأنَّ الأمر إذا وصلَ إلى الإمام سقطَ العفو، ولا بُدَّ من إقامةِ الحَدِّ! ثم إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لقِيَ هُزالاً الأسلمي بعد ذلك فقال له: لو سترْتَه بثوبك كان خيراً لك!

🔅وقد رويت آثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل الستر على المسلم أذكر منها ما حضرني ذكره بعون الله .

👈🏻 ، عن أبي هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من نفس ، عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة ، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا ، والآخرة ، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا ، والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .

⚡نعم وَضَعَ الإسلامُ حدوداً، وما من نظامٍ بشريٍّ قامَ يوماً إلا وفيه منظومة عقوبات تختلف من مجتمع إلى آخر، ولكن الإسلام العظيم حث على التوبة والستر عند ارتكاب المعاصي، فما دام الله ستر على الإنسان فالأوْلى أن لا يذهب العاصي إلى الإمام ويطلبَ تنفيذ العقوبة! ولخَّص ابن تيمية هذا كله في جُملةٍ واحدةٍ حين قال: والأصلُ في الذنوبِ التوبة والاستغفار لا إقامة الحدود!

💥السِّترُ مبدأٌ من مبادئ الشريعة، كلُّ مُسلم مُطالب أن يسترَ على نفسه وعلى غيره، والنفسُ البشرية مفطورة على سترِ نفسها وفضحِ غيرها!
▪️من تتبَّعَ عورات الناس تتبَّعَ الله عورته، ومن ستر غيره ستره الله، لأن الجزاء من جنس العمل!
كلنا مطرَّزون بالعُيوب ولولا رداء من السِّتر وضعه الله علينا لانفضحنا وما نظر إلينا الناس نظرة احترام أبداً!

⚡وأجمل خُلُقٍ يعمل به العبد هو أن ينظُرَ إلى الخُلقِ الذي يُعامِل به الرَّبُّ سبحانه عباده، فيعاملهم مثله، وأن الله سِتير يُحبُّ السِّتر!
كل ذنبٍ لإنسانٍ سمعتَ عنه دعه يقف عندكَ، أنتَ أيضاً لك ذنوب وللناس ألْسُن، فاشترِ سِتركَ بسِتر الناس!
منقول

أم حذيفة 05-01-2020 01:46 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

3️⃣5️⃣

✍إنَّ الله يحب العبد الخفي!

نعى السائب بن الأقرع إلى عُمر بن الخطاب شُهداء المُسلمين في معركةِ نهاوند، فعدَّ أسماءً من أعيان الناس وأشرافهم، ثم قال السائب: وآخرون من أفناء الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين!
فبكى عمر وقال: وما ضرَّهم ألَّا يعرفهم عمر، إنَّ الله يعرفهم!

وفي سِيَرِ أعلام النُّبلاء للذهبي قال: كان في جيش هارون الرَّشيد عشرين ألف مُجاهد لا يكتبون أسماءهم في ديوان الجند، فلا يأخذون رواتبهم، كي لا يعرفهم أحدٌ إلا الله!

أما مُناسبة الحديث، فهو كان سعد بن أبي وقّاص في البادية يرعى إبلاً له، فجاءه ابنه، فلما رآه سعد من بعيد قال: اللهم إني أعوذُ بك من شرِّ هذا الراكب! يبدو أنه بفراسته عرفَ أنَّه يحمل أخباراً سيئة، فلما وصل عنده قال له ابنه: أنتَ في إبلكَ وتركتَ الناس يتنازعون المُلك بينهم!
فقال له سعد: اسكُتْ، سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "إنَّ الله يُحِبُّ العبدَ التقيَّ الغنيَّ الخفيّّ"!

والعبد الخفي هو الذي يُخفي حسناته عن الناس كما يُخفي عنهم سيئاته، فيجعلُ بينه وبين الله خبيئة صالحة لا يعلمها إلا الله!
ليس بالضرورة أن يعرفَ الناسُ كل صدقةٍ تتصدَّقُ بها، فالرِّياءُ مَفسدةُ الأعمال، وإنْ لم يقصد المرءُ رِياءً فلعلَّه يجرح كرامة من تصدَّق عليه دون أن يدري، وترميمُ قُلوبِ الناس وحفظُ كراماتِهم مُقدَّمٌ على إعانتِهم وترميمِ جيوبِهم!
ليس بالضرورة أن تُوثِّق كل عمل خير تعمله، ولا كل عبادة تقوم بها، لقد كلَّف اللهُ سُبحانه الملائكةَ بهذا الأمر، فأَرِحْ نفسك، كل ما عملْتَه من خير أو شر ستجده يوم القيامة أمامك في كتاب "لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها"!

كان ابن القيم يقول: الخوافي للخوافي!
وإني أقول:
مرضُكَ الذي لا يعلمه إلا الله، اجعلْ له صدقةً خفيةً لا يعلمها إلا الله!
والهمُّ الذي يربضُ على صدرك ولا يعلمه إلا الله، اجعلْ له استغفاراً خفياً لا يعلمه إلا الله!
القلقُ الذي يعتريكَ ولا يعلمه إلا الله، اجعلْ له ركعتين في الليل لا يراهما إلا الله!
قلةُ الرِّزق الذي نزلَ بك ولا يعلمه إلا الله، اجعلْ له استغفاراً بينك وبينه
وتذكَّرْ: ما ضرهم ألَّا يعرفهم عمر، يكفي أن الله يعرفهم!
منقول

••••••••

أم حذيفة 05-02-2020 03:18 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة


3️⃣6️⃣

✍كما يرزق الطير!

حجَّ عُمر بن الخطاب في سنةٍ من سنوات خلافته، فلقيَ أُناساً قد جاؤوا إلى الحجِّ بغيرِ زاد، وإذا هم يستعطون الناس، فسألهم: من أنتم؟
فقالوا: نحن المُتَوَكِّلون!
فقال لهم: بل أنتم المُتَّكِلون، إنما المُتوكل الذي يُلقي حبةً في الأرض، ويتوكَّل على الله!

يُخطئُ كثيرٌ من الناس في فهم التوكُّل على الله سبحانه، ويحسبون أنَّه ترك الأخذ بالأسباب، ناسين أو مُتناسين أن هذه الأسباب إنما هي واقعة في قَدَرِ الله، وأن الله سبحانه قد وضع لهذا الكون سُنناً ونواميس على المرء الأخذ بها ما استطاع، ثم بعد ذلك يضع يقينه على الله أنَّ هذه الأسباب لا تضرُّ ولا تنفع حتى يأذن الله سبحانه!
نعم نُؤمن أنَّ الله هو الشافي ولكن من الحماقة عدم قصد الأطباء وطلب العلاج!
ونُؤمن أن الله هو الرازق ولكن من الحماقة عدم الذهاب إلى العمل!

كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أكثر الناس يقيناً بالله، ولكنه في المُقابل كان أكثر الناس أخذاً بالأسباب، فيوم الهجرة اصطحبَ معه دليلاً يدلُّه على الطريق إلى المدينة ولم يقُل أنا نبيٌّ وسوف أصل على أية حال!
ويوم أُحد لبس دِرعين رغم أنه يؤمن أن الأعمار بيدِ الله ولكنه أراد أن يُعلِّمنا ثقافة الأخذ بالأسباب!
وعندما كان يغزو كان يُورِّي في مسيره، بمعنى أنه إذا أراد أن يُحارب قوماً سلكَ طريقاً مُغايِراً حتى يُفاجِئ العدو، رغم أنه يؤمن أن النصر من عندِ الله!

نعم علَّمنا النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّ الله وحده هو الذي يُحيي ويُميتُ ويرزقُ ويشفي ويُعطي ويمنع، فقال: "لو أنكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّله لرزقكم كما يرزقُ الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً"!

ولكنه بالمُقابل علَّمنا أن الدُّنيا دار أسباب! فالطُّيور لا تبقى في أعشاشها تنتظرُ رزق الله تعالى لتملأ بطونها، وإنما تخرج مُبكرة، تبحث عن الحَبِّ الذي يسدُّ جوعها، فلا يقع كل عصفور إلا على ما قسمه الله تعالى له من الرِّزق!

من الفهم السقيم لبعض الناس أنهم ينتظرون المعجزات دون بذل الأسباب! ويحدثك أحدهم كيف شقَّ موسى عليه السَّلام البحر بعصاه، وكيف التقمَ الحوتُ يونس عليه السَّلام فلم يُصبْه أذىً، وكيف أُلقيَ إبراهيم عليه السَّلام في النار فكانتْ برداً وسلاماً! ينسى هؤلاء أنَّ المعجزات هي أمرٌ خارقٌ للعادة، يخرقُ بها اللهُ نظام الكون الذي وضعه ليُعلِّمنا أنه لا يتركُ عباده، وأن هذه الأسباب إنما تحكم الناس ولا تحكمه جلَّ في عُلاه! وإلَّا فإن حاول أحدنا أن يشقَّ البحر بعصاه لقال عنه الناس مجنون! ولو ألقى نفسه في النار لماتَ منتحراً!
لا شيء أسوأ من وضع اليقين على الأسباب سوى ترك الأخذ بها!
منقول

•••••••

أم حذيفة 05-03-2020 01:58 AM

على منهاج النُّبُوَّة

3️⃣7️⃣

أكُنتَ تدعو بشيءٍ؟

زار النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجلاً من أهل المدينة قد أصابَه المرض، فوهن جسمه، وخفَّ وزنه حتى ظنَّ كل من عاده أنها النهاية!
استرعىْ حالُ الرجل النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فسألَه: أكُنتَ تدعو بشيء؟

فقال: نعم، كنت أقول: اللهمَّ ما كنتَ معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: سبحان الله، لا تطيقه، أفلا قلتَ: اللهمَّ آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقِنا عذابَ النار!
فدعا الرجل بها، فشفاه الله!

الفكرة أنَّ القدر موَكَّلٌ بالمنطق، والناس أحياناً يدعون بصورةٍ خاطئةٍ، ويشترطون على الله شروطاً تتنافى مع رحمته، فيُعطيهم الله ما سألوه، حتى يفقهوا ويرجِعوا!
هذا الصحابي من حِرصِه على النجاة من عذاب الآخرة، كان يدعو أن يجعل الله كل عذابه في الدنيا، فدلَّه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على الصواب، وهو الدعاء بالنجاة في الدنيا والآخرة!

يمرض ولد
صغيرٌ فتسمعُ أمه تدعو: ليتني أنا ولا أنت! وهذا الدُّعاء من الأُم لا شك يحمل في طياتِه رحمةً وحباً لابنها، لكنه ينضوي على جهل، لماذا على الأُم أن تدعو بانتقال المرض إليها في حين أن بإمكانها أن تدعو الله سبحانه أن يعافي ابنها ويعافيها!

لا يعرف الإنسان متى يوافق دعاؤه ساعة استجابة، لهذا عليه أن يتأدَّب في الدُّعاء، ولا يسأل الله إلا خيراً!
تكسر البنت صحناً، فتغضبُ الأمُّ وتدعو عليها قائلة: كسر الله قلبكِ! ماذا لو استجِيبتْ هذه الدعوة، أكسر قلبٍ مقابل كسر صحن؟!

يتشاجرُ الأولاد في البيت، فتسمع دعاء الأُم في الغالب أو الأب أحياناً: الله يغضب عليكم! ماذا لو استجِيبَتْ هذه الدعوة! أَغَضَبُ الله سُبحانه مقابل لحظة شِجار صبيانية؟!

على المرء أن يختارَ ألفاظه في الدعاء، وأن لا يسأل الله سبحانه إلا الخير، فإنَّه جلَّ في علاه لا يُعجزه شيء!
منقول

•••••••••

أم حذيفة 05-04-2020 02:36 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

3️⃣8️⃣

✍لو كان المُطْعِمُ بن عَدِيٍّ حياً!

👈🏻يا ليوم الطائف ما أقساه، حملَ الجنة يومذاك وذهب بها إلى هناك أَنْ آمنوا وادخلوها، ولكن ابن عبد ياليل سيد القوم قال له: أما وجد الله غيرك ليرسله؟! ثم أطلقَ وراءه الغُلمان والسفهاء ليرجموه بالحجارة! كُذِّب بدعوته، وأُوذِي بجسده، وسالَ الدمُ الشريف، وما أجرأ الناس على الله، وما أحلمَ الله على الناس!

ولأنَّ المصائب لا تأتي فرادى، ولأنَّ أشدَّ الناس ابتلاءً الأنبياء، وهو سيدهم، كان على موعد مع ابتلاءٍ جديد حتى أقبل أن تلتئم الجراح في قدميه، أما عن جرح قلبه فكان ما زال ينز٠ حين قررتْ قُريش أن تمنعه من دخول مكة، وهكذا صار بين نارين لا الغريب قبِلَ منه دعوته، ولا القريب قبل عودته! فكان لا بد له أن يبحث عمن يجيره ويحميه ويدخله تحت كنفه إلى مكة، فذهب إلى المطعم بن عدي، وقبل أن يجيره، وباتَ عنده تلكَ الليلة، ثم لما كان الصباح، خرجَ المطعم وبنوه مُتقلِّدي السيوف، حتى أتوا الكعبة، وقال للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم: طف بالبيت ما شئت!
فجاء أبو سفيان فقال للمطعم: أمجيرٌ أنتَ أم تابعٌ له؟
فقال: بل مجير
فقال أبو سفيان: قبلنا جواركَ، وخلَّينا بين محمد وما هو فيه!
ثم مكث أياماً في مكة، وأُذِنَ له بالهجرة، ودار الزمان قليلاً، مات في دورته المِطعَم بن عديٍّ، ثم كانتْ غزوة بدر التي انتهتْ بالنصر، ولما جِيء بأسرى قريش إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: لو كان المطْعِمُ بن عديٍّ حيَّاً وكلَّمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له!

رغمَ أن هؤلاء أسرى حرب، ولو أن أحداً استطاع أن يقتله ما تردَّد ثانية، ولكنه حَفِظ َللمطعم بن عديٍّ معروفه معه، ولم ينسه، وأخبرهم أنه لو كان حياً وشَفِعَ فيهم ما ردَّ طلبه، ولأطلقهم له عرفاناً بمعروفه الذي صنعه معه!
النُّبلاء لا ينسون مواقف الآخرين المشرِّفة معهم حتى ولو كانوا من غير مِلةٍ وعلى غير دين!
فهل حفظنا للناس معروفهم، وتحيَّنَّا الفُرص لنرد إليهم هذا الجميل عملاً بهَدْيِه وسُنَّته، أم أخذنا ومضينا؟!

العبدُ تُقيده السلاسل، أما الحُرُّ فيُقيده المعروف! فكُنْ حراً ولا تنسَ معروفاً أُسديَ إليكَ، صحيح أن الذي فعلَ المعروف هو في الغالب لا ينتظر سداداً، ولكن من العار أن تنسى أنتَ!

تقدَّم رجل لخطبة امرأةٍ، فقال له أبوها ما زوجتكَ إياها عن زُهد فيها، ولا عن ثُقلٍ في الإنفاق عليها، ولكنها سُنة الله في الناس، ما استطعتَ أن تُحضره من مهر وبيت وجهاز أحضره، وما قصَّرتَ به أنا أدفعه!
وتمَّ الزواج، ويقول الزوج بعدها: نحن معاً منذ عشرين عاماً ما أغضبتُها يوماً، وحتى حين كانت تُشاجرني كنتُ أتذكرُ معروف أبيها معي، فأُراضيها ولو كانتْ هي المُخطئة!
إنَّ المعروف لا يضيع، وإن ضاعَ عند الناس فلن يضيع عند الله، فاصنعْ المعروف صنع من لا ينتظر السداد، ولكن إن أسدى إليك أحدٌ معروفاً فاعتبره دَيْناً وابقَ طوال العمر مُتحيِّناً اللحظة التي تُتاح لك فيها سداده فهذا خُلق الأنبياء!

____🌺🍃
____

أم حذيفة 05-05-2020 02:41 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

3️⃣9️⃣

✍فأنَّى يُستجاب له؟!

يأمر الله تعالى عباده المرسلين ، عليهم الصلاة والسلام أجمعين ، بالأكل من الحلال ، والقيام بالصالح من الأعمال ، فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح ، فقام الأنبياء ، عليهم السلام ، بهذا أتم القيام . وجمعوا بين كل خير ، قولا وعملا ودلالة ونصحا ، فجزاهم الله عن العباد خيرا .

ولأنَّ دعوة الأنبياء واحدة، والدِّين عند الله الإسلام،
🍂عن أبى هريرة رضى ألله عنه قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين،
فقال تعالى: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً" وقال تعالى: "يا أيُّها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم".
ثم ذكر الرّجل يطيل السَّفر، أشعثَ أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذِّي بالحرام، فأنَّى يستجاب له!
رواه مسلم

وروى الطبراني في الأوسط أنَّ سعد بن أبي وقاصٍ قال للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة.
فقال له: يا سعد، أَطِب مطعمكَ تكُن مُستجاب الدَّعوة!

يشكو الناس هذه الأيام كثيراً أن الدعاء لا يستجاب، وهذا واقع مُشاهد، سببه أنَّ الناس استهانتْ بأكل الحرام! وإنهم يحسبون أنَّ المال الحرام يعني أن تسرقَ من جيبِ إنسان بعض ماله، وهذا في الحقيقة جزء من المال الحرام لا كله!
▪️المِيراث الذي تستأثر به وحدكَ دون إخوتك، أو تعطيهم أقلَّ مما فرض الله لهم مالٌ حرام!

▪️والمال الذي تموت الزوجة وتتركه وراءها فتأخذه وحدكَ وتحرم منه أهلها وأولادكَ مال حرام!

▪️الرشوة التي تتلقاها لتنجز بها معاملات الناس مال حرام!

▪️والوظيفة الشكلية التي لا تحضر إليها ولا تعرف منها إلا راتبها مال حرام!
▪️والعمل الذي لا تنجزه بحسب المواصفات والاتفاق مالٌ حرام!

▪️والبضاعة التي تبيعها ولا تُبين عيبها للناس مال حرام!

▪️والدين تأخذه من الناس لتفرج كربكَ وفي نيتك أن لا ترده مال حرام!

▪️والجمعية التي تشتركَ بها ثم تقبضها وتتوقف عن الدفع مال حرام!

▪️والكماليات والسفرات والمظاهر الفارغة التي تقوم بها وللناس عليكَ حقوق وللعمال رواتب لا تُؤديها مال حرام!

▪️والرِّبا الذي تأخذه من البنك مال حرام مهما أفتاكَ فلانٌ وعلتان!

والتحايل على الله مال حرام!

كنتُ يوماً عند الحلاق أنتظرُ دوري، وجرى حديث بين رجلين حول الرِّبا الذي تدفعه البنوك، وكان أحدهما يُؤكِّد أنه حرام، بينما الآخر قال: نعم حرام أن تأكله ولكن خذه ولا تشترِ به طعاماً، املأ سيارتك بالوقود، وادفعْ أجر العمال، وفاتورة الكهرباء!
فأخرجتني هذه الفتوى عن صمتي، وقلت له: وبِمَ يختلف هذا العمل عن عمل بني إسرائيل الذين نهوا عن الصيد يوم السبت، فكانوا ينزلون إلى البحر يوم السبت، ويلقون شِباكهم حول الأسماك فيحبسونها داخلها، ثم يعودون صبيحة يوم الأحد ويُخرجونها إلى الشاطئ! فمسخهم الله قِردةٍ وخنازير! إنَّ الله لا يخدع، ولا يُجدي معه التحايل!
اُنظُروا إلى رغيفكم من أين هو، وتأملوا من أين تكسبون أموالكم، وكيف تُنفقونها، ثم بعد ذلكَ سترون دعاءكم يتحقق كأنه فلق الصبح!

~~

أم حذيفة 05-06-2020 03:19 AM

🟢على منهاج النُّبُوَّة

4️⃣0️⃣

✍أفلا كنتم آذنتموني؟!

كان على عهدِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم امرأةٌ سوداء تُنظِّفُ المسجد… ثم ماتتْ، فكأنهم استصغروا أمرها فدفنوها ولم يُخبروا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأمرِها!
ثم إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقدَها، فسأل عنها، فقالوا: ماتت يا رسول الله!
فقال: "أفلا كنتم آذنتموني، دُلوني على قبرها"!
فدَلُّوه، فصلَّى عليها، ثم قال: "إنَّ هذه القُبور مملوءة ظُلمة على أهلها، وإنَّ الله عزّ وجل يُنوِّرها بصلاتي عليهم"!

مما ٱبتُلينا به في هذه الأيام أنه إذا مات لأحد الأثرياء والمتنفذين وأصحاب المناصب قريب جاءَ الجميعُ إلى عزائه، وإذا ماتَ الإنسان البسيط كان الذين يمشون في جنازته يعدُّون على الأصابع! أصبحَ الموت طقساً من طقوس الانتفاع!

يروى أنه ماتت خادمة كبير القضاة، فجاء التجار والأعيان ووجهاء البلد يعزونه بها… وعندما ماتَ كبيرُ القُضاة لم يمشِ في جنازتِه من هؤلاء أحد، فقد كانوا يباركون لكبيرِ القُضاةِ الجديدِ منصبه!

🍂الحُبُّ في هذا الدين عبادة، ومكانةُ الأشخاص في قلبكَ يجب أن تكون بحسب قربهم من الله وبعدهم عنه، لا بحسب ثرائهم ومناصبهم، فالمرأة التي كانت تنظف المسجد لم يرفعْ قدرها عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غير عملها الصَّالح في خدمةِ دين الله، علينا أن نتوقَّف عن الاعتقادِ أنَّ قيمة الإنسان بما يملك، إنما المرءُ بقلبه، ما أدراك أنَّ هذا المُسِنُّ الذي يأتي لصلاةِ الفجرِ يتَّكِئُ على عكازه هو عند الله خير من أثرياء الدنيا كلهم، وأنه بطل وقوي، أقوى كثيراً من الشبانِ الذين يرفعون الأثقال ف النوادي، ولا يستطيع أحدهم أن يرفعَ لحافه إذا ما نادى المنادي الصلاةُ خيرٌ من النوم!
من قالَ لكَ أنَّ الوزير أحب إلى الله من كناس الطريق!
وأنَّ المُمثلة الثرية والحَسناء أقرب إلى الله من عجوز تثني ركبتيها على سجادتها، ولسانها لا يكف عن ترداد: اللهم حسن الخاتمة!

🍂إنَّ قيمة الناس عندنا يجب أن تكون بمقدارِ صلاحهم وخدمتِهم لدينِ الله، الثري الصالح خيرٌ من الفقيرِ العاصي، والفقيرُ الصالح خيرٌ من الثريِّ العاصي!

🍂ربح بيع صُهيبٍ لأنه تركَ مالَه لله!

🍂وارتفعَ شأنُ بلال لأنه ردَّد قولته الشهيرة تحت التعذيب أحدٌ أحد!

🍂و"سلمان منا آل البيت" لأنه طافَ الدنيا بحثاً عن الحق!
👈🏻لا تزهدوا بالبسطاء والمساكين، فواللهِ إن الله يرضى عنكَ بالصدقةِ على فقيرٍ أكثر ممَّا يرضى بالهدية للغني، ويحبَّك لزيارةِ المسكينِ المريض فارغ اليدين، أكثر ممَّا يحبك لزيارةِ المُتنفذِ وصاحبِ المنصبِ وبيدك باقة ورد أو علبة حلوى!

~~


الساعة الآن 08:25 AM بتوقيت مسقط

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir

a.d - i.s.s.w